لم تعد الموازنة العامة وثيقة كافية لفهم الدور المالي الذي تلعبه الحكومة ، فهنـاك 62 هيئة أو مؤسسات عامة ذات موازنات منفصلـة حتى لا نقـول مسـتقلة ، ويجب أن تؤخـذ بالاعتبار عنـد البحث في حجم الاستثمار العام.
بموجب الموازنة العامة والموازنات الفرعية الأخرى فإن الإنفاق الحكومي الرأسمالي سـواء كان ممولاً بالإيرادات المحليـة أو المنح الخارجيـة أو القروض يقارب مليارين من الدنانيـر ، أو حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي غير الإنفاق الرأسـمالي للبلديات والجامعات الرسـمية.
يحدث هذا في الوقت الذي يقـال لنا أن الحكومة انسـحبت من الأعمال الاقتصادية ، وتركتها للقطاع الخاص لكي تتفرغ لدورهـا في الرقابة والتنظيـم وإدارة الاقتصاد الكلي.
المفروض أن الناتج المحلـي الإجمالي يجب أن يرتفع بمقـدار ثلث الإنفاق الرأسمالي أو الاسـتثمار ، وبالتالي فإن الإنفـاق الرأسمالي للقطاع العام وحـده يجب أن يولـّد نمواً اقتصادياً في حدود 3ر3% فيما لو ظل القطاع الخاص جامـداً تماماً ولم يستثمر ديناراً واحـداً ، ولكن اسـتثمارات القطاع الخاص كانت دائماً أعلى بكثير من اسـتثمارات القطاع العام بل إن معظم النمـو يأتي من نشاطات القطاع الخاص.
سنفترض أن اسـتثمارات القطاع الخاص سـوف تبلغ 15% من الناتج المحلي الإجمالي ، وتكون بذلك مسؤولـة عن 5% من النمو الاقتصادي ، فأين أثر الإنفاق الرأسـمالي الحكومي على النمو؟.
عقـم الاستثمار الحكومي يعود لأحد احتمالين ، أولهما أن الأردن أصبح مشـبعاً بالاستثمارات بحيث أن أية استثمارات جديـدة لن تولد عائـداً يبرر الاستثمار فيها ، وهذا الاحتمال مستبعد ، والثاني أن الاستثمار الحكومي غير مجد ولا يولد نمواً حقيقيـاً ، وهو في معظمه إنفاق جار بشكل رواتب وأجور وأجهـزة وأثاث واستملاكات ومسـاهمات هي في الواقع تغطية خسائر ، وبالتالي لا تولد نمواً بل تمثل في معظمها هـدراً للمال العام ، خاصة وأن كل الإنفاق الرأسمالي الحكومي ممول بالقروض ويترجم نفسـه إلى مديونيـة تزيد تكاليف خدمتها عن عوائد المشاريع الممولة بها.
نفهـم أن تقـوم الحكومة بالإنفاق على مشـاريع غير ربحيـة كالبنيـة التحتية ، لأن لها مردوداً اقتصادياً واجتماعياً ، أما السكك الحديدية والقطار الخفيف وما إلى ذلك فيجب أن تكون مجـدية بالمفهوم الاقتصادي البحت ، وإذا كانت كذلك فيجب تركها للقطاع الخاص الأكثر كفـاءة في إدارة المشاريع.
(الرأي)