في وسط البلد ، تأتي عمان القديمة لتحدثك عن وجوهها وتاريخها ، وليس اجمل من المشي على القدمين في هذه المنطقة التي تبدأ من عند سوق الصاغة ، وتصل الى نهايات سقف السيل.
رائعة وعظيمة هي عمان. كم احبها. عاتبة هي. وحزينة احياناً. سعيدة في احيان اخرى. لكنها تستمد روحها من ارواح من مروا ومن عبروا ، ومن صهيل الخيل التي وردت الماء قبل مائة عام واكثر ، وكأني بالصهيل في اطلالته الاولى.
عمان القديمة بركة معتقة. بيوت قديمة حجرها يروي قصة الاف الوجوه التي مرت ، حتى تظن ان لكل حجر روحاً يروي لك قصة المكان ، ومن باعة الكتب والمجلات ، الى باعة الذهب والحلويات ، تخفق روحك بشدة في وسط البلد ، ففيها ذكريات لا تمحى من طفولتك.
تقترب من ساحة المسجد الحسيني. باعة المسابح وحجارة العقيق والخواتم والمساويك. العراقيون الذين يتاجرون. الوجوه التي خرجت من الصلاة لتوها ، والوجوه العائدة من وظائفها وقد استبد بها التعب ، فتتأمل ما خلف الوجوه وتقرأ عليها نقش عمان الاولى والثانية.
مقهى السودانيين قصة بحد ذاته ، والذي يريد ان يزور السودان ويسمع حكاياته يذهب الى المقهى العتيق حيث الموسيقى السودانية ، وآلام السودان وحكاياته.
وسط البلد له سحر خاص ، خصوصاً ، في ساعات الغروب وفي ايام الجمع. الباعة يأتون من كل صوب وحدب.
باعة الدجاج البلدي والبيض البلدي والارانب. سوق السكر وصوت الباعة اذ يرتفع بطريقة عجيبة. ومطعم هاشم اذ يتدفق عليه العمَّانيون حتى تكتمل زيارتهم الى وسط البلد.
ذاكرة المكان حية. التوثيق للمكان لم يكتمل ، ولا بد من افلام وثائقية تحكي لنا قصة المكان ، من مدرجه الروماني وصولا الى نهايات سقف السيل حيث باعة السلاح والفرو ، حيث لكل دكان حكاية ، يعرفها من خبر وسط البلد طوال عقود.
تحزن حين تسمع عن خطط لاخلاء اصحاب المحلات من محلاتهم اذا لم يرفعوا ايجاراتهم ، وتحزن ايضاً حين تسمع عن اثرياء يريدون شراء عمارات بأكملها لتحويل وسط البلد الى منطقة مغلقة بلا سيارات ورصفها ، واغراقها بالمقاهي والمحلات السياحية.
لن يبقى وسط البلد كما هو في سر اسمه. وسط البلد. لا اعلاه ولا ادناه. وسط البلد. يدخله الجميع. من بائع المسروقات في سوق الحرامية وصولا الى الاثرياء الجدد.
غير ان باعة المسروقات ابرياء مقارنة مع من يريدون سرقة تاريخ المدينة ، وتحويلها الى مقهى ايطالي او فرنسي او يوناني.
المشي من العبدلي في حالات نزولا الى وسط البلد ، والمرور بكل المحلات التي تعرفها ، ورؤية الوجوه التي تعرفها ، والوجوه التي تعرفها ، مثير فتعيد اكتشاف مدينتك المدللة.
المقاهي القديمة. دور السينما. المكتبات. مواقف سيارات السرفيس القديمة. هنا كان يقف بائع الفستق السوداني في سوق الذهب ، الذي رحل ، وهنا باعة متجولون ، ونافورة في المسجد الحسيني تمنحك فرصة الوضوء وانت في قلب الدنيا.
تتأمل المسجد الحسيني وتسمع ان لا قدرة لهم على زيادة طوابقه او توسعته بحجة وجود ماء تحت المسجد ، يمنع زيادة الاثقال ، وتتأمل حالة المسجد من الداخل ، والمسجد العلوي القديم بسقفه المنخفض.
تسأل عن ميسوري عمان ولماذا لا يغيرون سجاد المسجد ويجددون كل شيء فيه ، لان المسجد قلب المدينة ، وقلب المدينة الخافق الذي لا يتعب وان يعتب.
لا بد من "وسط البلد" وإن طال السفر،.
(الدستور)