هل من آمال في عقد اتفاقية حبوب جديدة؟
لما جمال العبسه
10-08-2023 01:09 AM
لم يكن مستبعدا انهيار اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر من اوكرانيا والمعروفة بـ «مبادرة حبوب البحر الأسود» ، بعد انسحاب روسيا الشهر الماضي منها، بل وان طريق تصديرها اصبح ضمن الخارطة الحربية، لتدخل تركيا والامم المتحدة الى اتون العملية التفاوضية لاقناع موسكو للتراجع عن موقفها المتمثل في الانسحاب من الاتفاقية والامتناع عن تجديدها، وذلك حتى لا تتسبب في ازمة غذاء عالمية حقيقية.
موقف روسيا جاء نتاجا للضغط الذي تسببت به اكثر من 11 حزمة عقوبات غربية تهدف لتقويض اقتصادها والحد من قدرتها على الاستمرار في عمليتها العسكرية الخاصة في اوكرانيا، لتتخذ بذلك موسكو من هذه الاتفاقية مدخلا للمناورة على العقوبات مع الغرب الداعم لاوكرانيا، خاصة تلك المتعلقة باعادة ادراج البنك الزراعي الروسي ضمن نظام سويفت العالمي والغاء تجميد اصول لها في الخارج.
الامم المتحدة تقول ان تعليق هذه الاتفاقية بسبب انسحاب روسيا منها يهدد الامن الغذائي لمئات الملايين من الناس حول العالم، فيما يرى البعض انه من الممكن اتمام هذه الاتفاقية بمعزل عن موسكو عبر تنفيذها من خلال مثلث الامم المتحدة وانقرة وكييف، عبر الممرات المعهودة، وبالتالي فان روسيا ستشعر باللامبالاة في قرارها، وقد تعود مرة اخرى الى الاتفاق.
اذا ما نظرنا الى وجهة النظر هذه، وفيما اذا كان تطبيقها بهذه السهولة، فان الامر ليس هينا لاسباب عدة، اولها ان انسحاب روسيا يعني بالتأكيد زيادة كلف التأمين لدخول الممرات الآمنة حلقة الحرب الدائرة هناك، وانعكاسها على اسعار الحبوب وبالتالي على الاستهلاك النهائي في اي من الدول الموجهة لها.
الامر الاخر، نقص كميات الحبوب المتوافرة لان روسيا لن تصدر انتاجها ضمن هذا الاتفاق، ولا حتى اسمدتها، مما سيؤدي حتما الى تفاقم الازمة وزيادة الاسعار الى مستويات قياسية في العديد من دول العالم.
اما استخدام طرق بديلة وهي على الاغلب طرق برية من خلال رومانيا، والاستغناء عن النقل البحري، فان هذا الحل اثبت عدم جدواه وانه غير عملي حتى مع عمليات اعادة تأهيل الطريق واساليب النقل البري لهذه الغاية، لان الامر يحتاج لوقت مضاعف من جهد وغير آمن من جهة اخرى عدا عن التكاليف التي ستتضاعف بشكل يفوق قدرات الدول على شراء هذه الحبوب.
وما يعمق الازمة اكثر فاكثر، هو اعلان موسكو لتقديم الحبوب والاسمدة الروسية مجانا الى العديد من الدول خاصة الافريقية، في خطوة تثبت من خلالها ان لا يد لها في اي ازمة غذاء عالمية، انما قرارها كان رد فعل لمجريات الاحداث الغربية الضاغطة عليها بشكل كبير.
البعض ومنهم الامم المتحدة ان الغرب بيده زمام المبادرة وتحديدا بعض دول اوروبا الغربية للخروج من هذا المأزق العالمي، وليس هناك اي ضرر من التنازل شيئا ما حتى لا يكون هناك اعلان انذار بازمة غذاء عالميا نتيجة تشبث كل طرف برأيه ومواقفه المضادة للآخر.
ان الاستهانة بالامر ليس سهلا، فالاتفاقية مهددة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ذلك ان اهميتها تتجاوز روسيا واوكرانيا الى الكثير من الدول حول العالم، وللاقتصاد العالمي بشكل كبير في ظل انفراجة حققتها خلال فترة تنفيذها السابقة والتي تمثلت في تراجع اسعار الغذاء عالمي، ليعود العالم الى المربع الاول والتهديد بارتفاع اسعار المواد الغذائية لمستويات قياسية جديدة.
يجب تكثيف الجهود الدولية وتقديم تنازلات من كافة الاطراف حتى لا يعود العالم الى الوراء، ومعه يصبح التعصب للقرارات هو سيد الموقف.
الدستور