الهوية الإسرائيلية في أزمة نفسية: تحليل لاستطلاع الرأي
د. محمد عبدالله اليخري
09-08-2023 12:47 PM
في استطلاع حديث أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي ونشرت نتائجه يوم الثلاثاء 8 أغسطس 2023، أعرب غالبية الإسرائيليين عن اعتقادهم بأن بلادهم حاليا في حالة طوارئ. اذ أظهر مؤشر الصوت الإسرائيلي، الذي يصدر شهريا من قبل معهد الديمقراطية الإسرائيلي، أن 58% من الإسرائيليين يتبنون وجهة النظر هذه، بينما يعتقد ثلث الإسرائيليين فقط أن الدولة ليست في حالة طوارئ. وقال المعهد إن الردود انقسمت بشكل رئيسي على أساس الأيديولوجية السياسية، حيث يعتقد أقل من ثلث الذين صوتوا لأحزاب الائتلاف المتشدد بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إسرائيل في حالة طوارئ. وقد أثار هذا الشعور تساؤلات حول العوامل النفسية الأساسية التي تشكل الرأي العام وتقود مثل هذا التصور الواسع الانتشار. إن الخوض في نتائج الاستطلاع من خلال عدسة النظريات النفسية يمكن أن يوفر فهما أعمق لوجهة نظر الإسرائيليين.
1. الاستقطاب الجماعي والأيديولوجية السياسية: كشف الاستطلاع عن انقسام كبير في تصور حالة الطوارئ على أسس سياسية. كان الأفراد الذين صوتوا لأحزاب المعارضة أكثر عرضة لتبني هذا الرأي. يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال نظرية استقطاب المجموعة، حيث تميل معتقدات الناس إلى أن تصبح أكثر تطرفا عندما يتفاعلون مع الأفراد ذوي التفكير المماثل. ومن المرجح أن ناخبي أحزاب المعارضة وجدوا أنفسهم في غرف صدى حيث تضخمت المخاوف والمظالم، مما عزز تصور وجود أزمة.
2. التنافر المعرفي والإصلاح القضائي: أظهرت آراء المستجيبين حول قانون المعقولية، وهو مشروع قانون إصلاح قضائي مثير للجدل، تنافرا معرفيا وانزعاجا نفسيا ناتجا عن اعتناق معتقدات أو مواقف متناقضة. وفي حين أيدت غالبية ناخبي الائتلاف القانون، اعتقدت نسبة كبيرة من السكان، بما في ذلك بعض ناخبي الائتلاف، أنه ضار بالديمقراطية. وهذا يسلط الضوء على الصراع الداخلي الذي يواجهه الأفراد عند دعم السياسات التي قد تتعارض مع مثلهم الديمقراطية.
3. التحيز التأكيدي وحركة الاحتجاج: يمكن أن تعزى النتائج المتعلقة بالتوقعات حول قوة حركة الاحتجاج إلى التحيز التأكيدي، حيث يبحث الأفراد عن معلومات تؤكد معتقداتهم الموجودة مسبقا. أولئك الذين يعتقدون أن الاحتجاجات ستزداد قوة هم أكثر عرضة للاهتمام بالأخبار والأحداث التي تدعم هذا الرأي. وعلى نفس المنوال، فإن أولئك الذين يتوقعون أن تضعف الحركة قد يتجاهلون دون وعي أو يرفضون الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك.
4. القلق الاقتصادي وتأثير الإصلاح: كشف الاستطلاع أيضا عن قلق واسع النطاق بشأن التأثير السلبي المحتمل للإصلاحات على الأوضاع المالية الشخصية. يتماشى رد الفعل هذا مع النظريات النفسية حول القلق الاقتصادي والنفور من الخسارة. يميل الناس إلى إعطاء قيمة أعلى لتجنب الخسائر مقارنة بالحصول على المكاسب، وهو ما قد يفسر سبب توقع جزء كبير من المشاركين تدهورا في رفاههم المالي بسبب المخاطر المتصورة المرتبطة بالإصلاح.
5. السلطة وإدراك إنفاذ القانون: يمكن فهم المواقف المتغيرة تجاه أداء إنفاذ القانون في المظاهرات من خلال عدسة سلطة علم النفس الاجتماعي. ومع تذبذب الثقة في شخصيات السلطة أو تصورها على أنها معرضة للخطر، يمكن أن يصبح تصور الجمهور لأفعالهم حرجا بشكل متزايد. تشير الزيادة الكبيرة في التقييمات السلبية لتعامل أجهزة إنفاذ القانون مع الاحتجاجات بين المستطلعين اليساريين إلى شكوك متزايدة تجاه تصرفات من هم في السلطة.
خلاصة الموضوع، توفر نتائج استطلاع مؤشر الصوت الإسرائيلي مشهدا نفسيا غنيا لتحليل النفسية الجماعية للجمهور الإسرائيلي. يساهم الاستقطاب الجماعي، والتنافر المعرفي، والتحيز التأكيدي، والقلق الاقتصادي، وتصورات السلطة، في تشكيل الطريقة التي ينظر بها الأفراد إلى الوضع الحالي لبلدهم وتحدياته. إن إدراك هذه الأسس النفسية أمر بالغ الأهمية للقادة وصانعي السياسات للتعامل مع مخاوف وتطلعات الإسرائيليين بشكل فعال وأخذ الحيطة والحذر من أي ردة فعل قد تشعل لهيب الحرب الأهلية او الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين كطريقة للهروب من المشكلة الأساسية.