حدّثني الجار، وقال: لست أدري مدى اهتمام جمهور جرش بالشعر والشعراء، لكنني مررت بظاهرتين اثنتين: الأولى؛ أنّ الإقبال على الغناء - وهذه ظاهرة إيجابية برأيي- كان عاليًا، فالجمهور يمتلك ذوقا فنيّا، والظاهرة الأخرى؛ فقد حضرت ندوتَيْ شعر، واحدة في المركز الثقافي الملكي لشاعرين بارزين: شوقي بزيغ، والمبدع راشد عيسى، كان الجمهور محدودًا جدّا لا يزيد عن عشرين من أصدقاء الشاعرين، فلا رابطة كتّاب، ولا ما يحزنون. بدأ بزيغ حديثه قائلًا: إن جمهور الشعر محميّة طبيعيّة في طريقها إلى الانقراض.
لقد كان واضحا نقده المرير لغياب جمهور الشعر! أما الندوة الأخرى؛ فهي ندوة في الجامعة الأردنية أقامتها عمادة كلية العلوم التربوية بمناسبة اليوم العالمي للشعر والشعراء.
ألقت الندوة الأضواء على عدد من الشعراء "المظلومين" إعلاميّا، مع أن نازك الملائكة نالت حظها من الشهرة. المهم أن جمهور الندوة كان محدودّا جدّا، لولا إغراء الطالبات بالخلاص من محاضراتهن الرسمية! ومع ذلك، لم تتمكن الندوة من إغرائهن على البقاء! قلت في نفسي: لو خاطبت الندوة حاجات الطالبات في هذا السنّ - ومن السهل فعل ذلك - فقد كانت قصيدة واحدة لعرار، أو نزار قباني، أو حيدر محمود، أو راشدعيسى، أكثر من كافية لتغيير مزاج الجمهور، وكسبه للشعر! بدلًا من تطفيشه!!
يبقى السؤال: إذا كان الشعر ديوان العرب، وإذا كان العربي طروبًا متذوّقا للجمال، فكيف نفسّر غياب جمهور الشعر؟ هل يرجع ذلك إلى غياب الشعراء المبدعين؟ الجواب: لا، فلدينا شعراء على الرغم مما يقال: إن معظمهم ليسوا شعراء!
هل يرجع ذلك إلى ضعف الشعر في المناهج المدرسية؟ بل هل يدري المركز الوطني للمناهج وهو يعدّ كتبًا جديدة بهذه الظاهرة؟ بل هل عمل على تعميق التذوّق الفني الشعري؟
لقد علّمنا الطلبة شعرًا لا معنى له، ولقدعلّمناهم كل بحور الشعر، ولم نكسب حبّهم للشعر! لقد حذفنا كتاب الأغاني، والعقد الفريد من مكتباتنا، وحذفنا نزار قباني وعرارًا ، وحذفنا قصائد إنسانية لأبي العلاء المعري، وابن عربي، وأبي نواس، وأبقينا على شعر رديء، وتمادينا لدَواعٍ أخلاقيّة، أو تديّنيّة؛ لكي نحمي أجيالنا من انحراف" غير منحرف!!
إن المَهمّة الأولى لمحبّي الشعر والشعراء هي استرداد محميّة جمهور الشعر، وحمايتها من الانقراض، وهذا يعني رفع " العقوبات" المزاجيّة عن الشعراء الذين شربوا الخمرة، وليَعُدْ عرار وغيره من المبدعين العرب والأردنيّين! علينا استرداد جمهور الشعر، حين جاء نزار قباني في نهاية الستينات، امتلأت القاعات والشوارع المحيطة بها، طالبوه بقصائد وطنية أذهلته؛ لأنه كان يتوقع من الجمهور النسائي غير ذلك!
لتكُنْ مَهمّتنا إعادة الألق إلى الشعر والشعراء! !قلت للجار: وما أدراك أن العيب في الشعراء، وقادة اللغة!!