.. على "المنشية" اقصد منشية بني حسن الا تسرف في "النكد" فرأسها اليوم يُطاول رأس سدني الاسترالية التي شهدت حالا مماثلة في العام 1993. وعليها اي "المنشية" الا توغل كثيرا في الدفاع عن الحياة، رغم انها على قارعة الاهتمام الرسمي، وعليها ان تعرف ان نتيجة تحاليل "الاميبيا الطُفيلية" ستبقى دون نتيجة، وعليها ان تظل اسيرة هذه الاميبيا الملعونة التي تنهش حياتها وتشغلها حتى الثمالة، وربما عليها ان تبقى اسيرة فقرها والحاحها الطويل علّها تظفر بأنابيب تنساب فيها مياه الحكومة.
في "المنشية" مرض عصي على التوصيف والتشخيص. فيها اميبيا "لم يخلق مثلها في البلاد" الا في سدني. فيها مرض لم تستطع المراجع على اختلافها تحديده. فضيلته الوحيدة ان دفع باسم هذه البلدة الاردنية الغافية على الامل والرفض الى صدر الصفحات الاولى في الصحف ونشرات الاخبار. فسبحان المُغيِّر الذي لا يتغير!
في الاثناء تبدو المنشية بعدما القت نظرة عجلى الى نفسها كما رافضة لاستدرار العطف رغم سبعمائة حالة من ابنائها اطاحت بهم الاميبيا التي لا تعرف الحكومة سببا لمصدرها او باعثها.
تصلح المنشية سردا قصصيا، يعرض شخصية الريف المهمل في "ابهى حلله"، فهي ذات اعتادت التفاعل مع الزمن المليء بالمرارة والانكسار، فيما تأبى الادعاء او ان يتسلل اليها الشعور الخفي بالدونية.
نحو 700 حالة مرضية حصيلة الاميبيا المستشرية بلا رادع والحبل على الجرار، بينما تعلن الحكومة ان مياه الشفِّة في البلدة نظيفة مثل عين الغزال.
في رائعته "الطاعون" يميط الكاتب الفرنسي البير كامو عن الوهن الذي يصيب المجتمع والسلطة حيال تفشي المرض القاتل الذي يميت الناس في الشوارع، منتجا حالا من الهستيريا في مدينة وهران الجزائرية مسرح الحدث.
تتدخل السلطة بأوامر تصدرها بجمع المسببات واحراقها في حفر جماعية، بيد أنها لم تتنبه الى أن عملية الجمع ومطاردتها ستكون الوسيلة الأكثر تاثيرا في نشر المرض القاتل في المدينة.
وبموت حارس بناية بعيدة عن الاحياء الفقيرة يعيش فيها الطبيب ريو الشخصية المحورية في الرواية تتنبه السلطات العامة الى المرض وهمهمات العامة حول تفشيه.
يخبر ريو زميله الدكتور كاستيل فيكتشفان معا أن الطاعون سبب موت الحارس، فضلا عن انتشار واسع للمرض في المدينة في حال وبائية، رغم ذلك يستنتج اجتماع رسمي يشارك فيه ريو واطباء آخرون أن بالطاعون لم يمت سوى شخص واحد هو الحارس، وهو الاعتقاد الذي يتبدد مع تزايد اعداد الضحايا، لتستنتج السلطة انها امام لحظة مواجهة الوباء فتلجأ الى حصار المدينة دخولا وخروجا.
يشكل الحصار لحظة تصبح تتحول معها المدينة مسرحا لصراعات متعددة بين السكان والسلطة والبلدية. فكل جهة من هذه الجهات تقول انها تبدي ما في وسعها في مكافحة الوباء الذي يحيل المدينة لوحة سوريالية تاسر سكانها، في حين يتمظهر الطاعون باعتباره مبدلاً لعلاقات الأشخاص ومعالم المدينة.