ان نظرية القطيع هي نظرية اقتصادية تخص سوق الأسهم وتظهر بصورة اوضح عند نزول او ارتفاع الاسواق الغير مبرر ؛ فتدفع الناس للبيع خوفاً من الخسارة وفقدان رؤوس أموالهم، كذلك التدافع للشراء (البيع الجائر والشراء المحموم هو صور من نظرية القطيع).
ذكر عالم الأحياء هاملتون في مقالته«هندسة القطيع الأناني» أن كل عضو في مجموعة ما يخدم نفسه بالدرجة الأولى حيث يقلل الخطر من خلال الدخول مع الجماعة والتطبع بسلوكهم. ثم صاغ نظرية إضافية شهيرة مُرتبطة بنظرية القطيع وهي (نظرية الإيثار).
ولعلى مسألة مكافحة الفساد من أكثر القضايا الجدلية التي تواجه المجتمعات على اختلاف مستويات تطورها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، ولعل الخلاف بين الدول يتحدد بنسبة الفساد ومستوياته، فالدولة النموذجية التي تكاد تخلو من الفساد هي اطروحة نظرية وليست حقيقة واقعية.
ولا يفهم من ذلك اننا نشرع للفساد، بل ان المقصود ان الفساد حقيقة واقعية لا يمكن استصالها ما دام النوع البشري موجود، والسؤال المطروح هل الانظمة والقوانين كفيلة باستصال الفساد؟ والاجابة بالقطع لا، فسيادة القوانين يمكن ان تسهم في الحد من الفساد وتخفيضه الى مستويات أقل، وعليه كيف يمكن التصدي لظاهرة الفساد بوسائل اكثر فعالية؟.
تصوري أن كل خلل مجتمعي يبدا بالفرد قبل المؤسسة، وهذا يعني بالضرورة أن الحل الامثل لمواجهة الفساد لا يقتصر على القانون وحدة بل لا بد من الانتقال الى خطورة اخرى تتمثل بالوعي الجمعي بمخاطر الفساد ، ذلك أن الفساد ظاهرة لا تقتصر اثارها على شريحة دون الاخرى أو فئة دون غيرها بل هي خطر اجتماعي عام يطال الجميع.
أن الانظمة والقوانين والرقابة مهما بلغت شدتها لن تتمكن من مكافحة الفساد بل لا بد من الانتقال الى نمط اخر من وسائل المكافحة، وهنا يمكن الاستفادة مما طرح من قبل منظمة الصحة العالمية في مجال مكافحة الاوبئة العالمية، اذ تحدثنا تلك العلوم ان المناعة والتحصن ضد الوباء لا يمكن ان تقضي على الوباء بشكل كامل ولا بد من الانتقال الى ما اطلق عليه زمن جائحة كورونا بمناعة القطيع .
وهنا يمكن القول اننا بحاجة الى مناعة القطيع ضد الفساد بمعني ان كل فرد بالمجتمع عنصر مساهما مع غيره في التصدي للوباء. وعندما نصل الى مناعة القطيع ضد الفساد فاننا بالتاكيد لن نحتاج الى قوانين صارمة بل تكفي القواعد القانونية المتاحة لاستصال هذه الظاهرة، ولعل هذا التشخيص ان كان مقبولا يستدعي تدخل المؤسسات الدينية والاعلامية والتربوية والمجتمعية للانتقال بناء الى مناعة القطيع ضد الفساد؛ حفظ الله هذا الوطن في ظل حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده الامين.