ماذا لو وسِّد الأمر للمحكمة الدستورية؟
أ. د. كامل السعيد
08-08-2023 05:04 PM
في ضوء ما ثار من هرج ومرج بخصوص مشروع قانون الجرائم الإلكتورنية، فإنني أعترف بأنني من بين الذين يروا ضرورة عرض مشروعات القوانين والأنظمة على المحكمة الدستورية قبل سريان مفعولها لبيان رأيها في مدى دستورية هذه المشروعات عندما تستحيل إلى قوانين وأنظمة سارية المفعول بتصديق رأس الدولة عليها من قِبل جلالة الملك.
مثل هذا الأمر لا يضع حداً لكل هرج أو مرج فقط وإنما يكون من شأنه تهدئة النفوس والخواطر وبعث الطمأنينة فيها، بل وتجعل من مخالفتها أمراً في غاية الشذوذ والغرابة ولا خشية من القول بأنه ما دامت المحكمة الدستورية قد أبدت رأيها في الموضوع، فإنه يمتنع عليها قبول الطعن بعدم دستوريتها عندما تستحيل إلى قوانين وأنظمة نافذة، فالرد على هذا الرأي يتمثل في أن حق الطعن أو حق التقاضي هو حق دستوري لا يلغى إلا بنص في الدستور لا بقرار من المحكمة الدستورية التي تكون لقراراتها القوة الإلزامية لجميع السلطات وللكافة، فما أقّر بنص في الدستور لايلغى إلا بنص في الدستور تطبيقاً للمبدأ المتمثل في توازي الأشكال القانونية، هذا بالإضافة إلى أن مصادرة حق الطعن أو التقاضي لا يمكن أن تتم أو تتحقق في ظل مبدأ سيادة الشرعية التي تحرص كل دول العالم المتمدن أو المتحضر على التسليم به والنص عليه وتوكيده تحت إعتبار كل مصادرة لهذا الحق تقع باطلة وغير مشروعة ومنافيةً للمبادئ المتعارف عليها وفقاً لما إستقر عليه الأمر في القضائين الدستوري والإداري على حد سواء.
قبل أن أختتم أشير إلى أن عرض مشروعات القوانيين والأنظمة على المحكمة الدستورية قبل سريان مفعولها يحتاج إلى تعديل دستوري بهذا الخصوص، فما تمارسه المحكمة الدستورية لدينا هي رقابة قضائية بعدية أو لاحقة على سريان مفعول القوانين والأنظمة النافذة، لا رقابة قضائية قبلية أو سابقة.