نعم لرفع مستوى العلاقات الأردنية - السورية
د.حسام العتوم
07-08-2023 02:22 PM
أعتقد جازما بأنه يصعب رفع منسوب توقع مستوى العلاقات الأردنية – السورية ورسمها البياني وبتسارع بعد إسدال الستارة عن الربيع العربي بمجمله والسوري تحديدا، أي بعد حوالي اثنا عشر عاما على إندلاعهما منذ عام 2011 بسهولة، والإعتقاد بأن دمشق تتثاقل في علاقاتها الجديدة مع الأردن، أو أن قراراها السيادي يرتهن مباشرة وبالكامل بإيران أو بروسيا هي أيضا قراءة غير دقيقة وفي غير مكانها، وكلنا نعرف كيف كانت العلاقات الأردنية - السورية الحديثة في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني والرئيس بشار الأسد "حفظهما الله" في أحسن أحوالها وتميزت بالدفء والحميمية، وتوجت بزيارات ملكية ورئاسية متبادلة، وعلى مستوى حكومتي البلدين الشقيقين والجارين، وعلى مستوى وزارة الخارجية، وخطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة العرب في السعودية بتاريخ 19|05| 2023 التي رحبت بعودة سوريا للجامعة العربية، وبعودة اللاجئين السوريين لوطنهم، ولإنهاء الأزمة السورية وجهت رسالة صريحة للعلاقات الأردنية – السورية، والأردن مطالب قوي بقيادة جلالة الملك بحل الدولتين وبالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين وبتجميد الإستيطان، ويطالب ( إسرائيل) بالعودة لحدود الرابع من حزيران لعام 1967، وهذا يشمل ضرورة عودة الجولان لعرينها العربي، ويتمسك الأردن بحق العودة للفلسطين أولا وبالتعويض ثانيا، وليس بالإمكان في المقابل توقع قفزة نوعية في مجالها من دون أن نرى طائرة جلالة الملك عبدالله الثاني "الملكية" تهبط في مطار دمشق الدولي، وطائرة الرئيس بشار الأسد تهبط في مطار "الملكة علياء الدولي أو العسكري - ماركا "، ومن دون أن يتم رفع التمثيل السياسي والدبلوماسي بين الأردن ودمشق إلى مستوى سفير، ومن دون أن يتم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الإيراني في عاصمتنا الأردنية عمان إلى مستوى سفير فعلا مع إعطاء الموضوع صفة الإستعجال خاصة بعد عودة العلاقات السعودية – الإيرانية الدبلومسية إلى مستوى سفير، والعلاقات الأردنية – الروسية مستقرة منذ تأسيسها عام 1963 في عهد مليكنا العظيم الراحل الحسين بن طلال "طيب الله ثراه" والزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف، وهي رفيعة المستوى بين سوريا وروسيا لدرجة اعتراف دمشق الرسمي بالقرم ضمن السيادة الروسية عام 2014 وإسناده للموقف الروسي جراء تحريكه لعمليته العسكرية الخاصة تجاه الأراضي الأوكرانية السابقة "الدونباس" عام 2022 عبر مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751، التي تخول الدولة مثل روسيا الاتحادية، والتي هي الحليف الإستراتيجي لسوريا من الدفاع عن سيادتها جراء تطاول الغرب عليها بالتعاون مع العاصمة الأوكرانية " كييف " الخاسرة للحوار المباشر مع موسكو، وعبر اتفاقية " مينسك " الذي ساهم الغرب " فرنسا وألمانيا " بصياغتها إلى جانب " كييف " وروسيا وبيلاروسيا .
الأردن الشامخ بلد عروبي قومي، وتاريخ المملكة الأردنية الهاشمية مرتبط مباشرة بثورة العرب الهاشمية الكبرى التي أطلق عنانها شريف العرب وملكهم الحسين بن علي "طيب الله ثراه" عام 1916، وهي الثورة التي استهدفت طرد الإمبراطورية العثمانية لتحل مكانها دولة العرب الكبرى بعلم واحد وجيش واحد واقتصاد واحد وعملة واحدة، مع بقاء كل قطر عربي في مكانه، يتعاون مع كل الأقطار العربية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية كما ذكر لنا ذلك المؤرخ الأردني الكبير المرحوم سليمان الموسى في كتابه "الحركة العربية، وبناء الدولة الشامية ودولة الأردن أولا، ويتمتع الأردن بعلاقات دولية واسعة متوازنة، ويعرف بارتباطه الملاحظ والكبير مع أمريكا وبريطانيا تحديدا، ويقيم علاقات دبلوماسية مع (اسرائيل) منذ توقيع معاهدة السلام معها عام 1994، وفي موضوع ما يسمى بالحرب الأوكرانية، واندلاع العملية الروسية العسكرية الخاصة بتاريخ 24 شباط 2022، وقف الأردن على الحياد، وزيارات متبادلة أردنية – روسية على مستوى الخارجية، فلقد زار وزير خارجية الأردن السيد أيمن الصفدي موسكو، وشارك إلى جانب الوفد العربي في زيارة العاصمة الروسية أيضا، والتقوا وزير خارجية أوكرانيا بيترو كاليبا في وارسو، ودعوا للحوار والسلام، وللمحافظة على سيادات الدول المتصارعة مثل روسيا وأوكرانيا، وزار وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف العاصمة الأردنية عمان والتقى جلالة الملك عبد الله الثاني في طريقه إلى الإمارات، ولم يتم رصد أي زيارة أردنية رفيعة المستوى أكثر لموسكو أو زيارة روسية عالية الشأن أكثر للأردن، وكان آخر اتصال هاتفي لجلالة الملك عبدالله الثاني مع فخامة الرئيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو عام 2019 إبان إنتشار جائحة كورونا وظهور حاجة أردنية طبية للقاح الروسي الهام المضاد، والذي كان مطلوبا شعبيا أردنيا انذاك، وتنشيط جديد للعلاقات الأردنية - الإيرانية بعد اعادة المملكة العربية السعودية الشقيقة لعلاقتها مع ايران حديثا .
والجمهورية العربية السورية بلد عربي شقيق مجاور، وتشكل المملكة الأردنية الهاشمية إلى جانبها، والى جانب العراق الشقيق، وفلسطين الشقيقة، ولبنان الشقيق منظومة بلاد الشام وسط منظومتي "جزيرة العرب وشمال ووسط أفريقيا" على طريق بناء وحدة العرب المنشودة ودولتهم العربية الواحدة، ولسوريا علاقات خارجية مختلفة، فهي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل) بسبب احتلالها لهضبة الجولان - العربية السورية منذ عام 1967، وبسبب تشدد دمشق في موضوع السلام مع (إسرائيل)، فهي، أي دمشق حافظ الأسد رفضت فتح سفارة "لتل أبيب" في دمشق كما نقرأ مقابل سفارة لسوريا في "تل أبيب" مع إقامة علاقات تجارية شكلية، تماما كما ذكر لنا ذلك الرئيس المصري حسني مبارك، وأفشل الرئيس السوري بشار الأسد محادثات السلام السورية – الإسرائيلية السرية عبر تركيا – أوردوغان لنفس السبب ولرفضه الشروط الإسرائيلية الخادشة للسيادة السورية والتي اشترطت شروطا مائية وعسكرية مقابل إعادة الجولان، والمعروف لنا هو بأن الأردن وبجهد قواته المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي ساهم بقوة بتحرير جزء كبير من مدينة القنيطرة الجولانية وقدم قافلة من الشهداء في حرب تشرين عام 1973، وتقيم دمشق الأسد علاقات متينة مع كل من إيران وروسيا، ومعا يشكلان حليفان إستراتيجيان لها، وفي الوقت الذي تنتشر فيه الخلايا الإيرانية في سوريا، وخلايا " حزب الله "، كذلك لروسيا أكثر من قاعدة عسكرية فيها في حميميم وطرطوس .
ومع بدء الربيع العربي السوري دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط نار الأزمة ومعها حلف "الناتو" وبعض العرب، وضخمت حجم الربيع السوري تحديدا، وصورت للعرب وللعالم بأن سبب الكارثة السورية هو اعتداء النظام السوري على شعبه، ولم تنجح في التحالف مع المعارضة السورية، ولا في توحيد صفوفها، وبثت فوبيا إعلامية حول سوريا على غرار ما تبثه حتى الساعة من فوبيا حول روسيا في موضوع "الحرب الأوكرانية "، وأصدرت قانون " قيصر" عام 2019 بعد مشاهدة أمريكا لصور مهربة عن حالات تعذيب، وهو القانون الذي يفرض عقوبات على دمشق من دون الحاجة لتحريك لجنة أو لجان تقصي حقائق، وتناست أمريكا سلوكها في قضيتي " أبو غريب 2015 والعامرية 1991" في العراق، وفشلت أمريكا عام 2015 وقبل ذلك أيضا في سحب ترسانة الجيش العربي السوري الكيميائية التي شكلت خطورة على المنطقة العربية غير المتفهمة لسوريا ، وعلى ( إسرائيل ) رغم امتلاكها للسلاح النووي سرا منذ عام 1986، عندما كشف الخبير الإسرائيلي – المغربي مردخاي فعنونو وجوده فيها، ومع دخول روسيا الاتحادية على خط الأزمة السورية بدعوة من نظام دمشق عام 2015، وبعد تفاقم انتشار عصابات الإرهاب فيها، وقدومه من 80 دولة، تمكنت من معالجة موضوع تراسنة سورية الكيميائية الخطيرة بالتعاون مع أمريكا عبر جلسات "جنيف" وسلمتها لأمريكا في البحر الأبيض المتوسط بعد ذلك، ولسوريا علاقات مع الصين وكوريا الشمالية، وللأردن علاقات مع الصين وكوريا الجنوبية، وللأردن كما سوريا قرار سيادي، وعلاقات خارجية مختلفة تفرضها المصلحة القومية لكل منهما، فأينما تكون أمريكا نكون هنا في الأردن، وأينما تكون إيران وروسيا تكون سوريا، وفي نهاية المطاف نحن في الأردن والسوريون جيران وإخوة، ولنا قضايا ومصالح مشتركة تقع في صدارتها ( أمن الحدود، والتبادل التجاري، والسياحة، وأمن تحرك المواطن الأردني تجاه سوريا والسوري تجاه الأردن )، وتستطيع سوريا الاستفادة من علاقة الأردن بأمريكا و(اسرائيل) أكيد .