حين يعلو صوت المطالبين باستقالة وزير المياه والري من منصبه على خلفية الكارثة الصحية التي طالت أكثر من 800 مواطنا في منشية بني حسن فان مطلب الاستقالة يبدو منطقيا وعادلا , وهو إن حدث فسيعكس بدون أدنى شك نوعا من الاحترام والشفافية التي يفترض بأي مسئول أن يبديها تجاه بلده وشعبه وواجباته .
لكن هذا لا يبدو كافيا و قضية من هذا النوع جديرة بأن تلقي الضوء على جوانب أعمق بكثير من تقصير فرد أو جهة بعينها , والاستقالة يجب أن لا تكون نهاية المطاف أو شكلا من أشكال التخدير المؤقت الذي لا يقدم شفاء ناجعا أو يساهم في تجاوز أزماتنا بشكل حقيقي وفاعل .ولعل أهم ما يتبادر إلى الذهن هو ما جبلنا عليه من شخصنة الأحداث وربط المنجزات أو الإخفاقات بشخوص محددين بعينهم , أشخاص ندور في فلكهم مدحا وتعظيما إن حققوا انجازات - حقيقية أو وهمية - ونذبحهم من الوريد إلى الوريد إن بدر منهم تقصير أو تخاذل .
في قصة كقصة المنشية يبدو للتقصير أثرا رجعيا وللخطأ تراكمات أعمارها عشرات من السنين أهمل خلالها خط المياه المتهالك حتى بدا وكأنه قطعة أثرية انشأتها حضارة سكنت المنطقة منذ عهد سحيق , فما الذي جعل عيون المسئولين على اختلاف رتبهم وحجم مسؤولياتهم تغفل عن رؤية كارثة قادمة ؟ هل هي السلبية وإلقاء المسؤوليات على الآخرين ؟ أم هي الأنفة من حل مشكلة لا يبدو أن انجازها سيحقق لهم صخبا إعلاميا أو يستنطق أقلاما تمجد تفانيهم وحرصهم على أداء واجباتهم ؟ أم أن الإقليم نفسه كان بنظرهم إقليما غير ذي أهمية حيث باتت الأولويات التنموية تقاس أهميتها بمقدار قربها أو بعدها من العاصمة الحبيبة عمان ؟
هناك خلل واضح في السياسات التنموية ومفهوم الواجب , هذا الخلل أبعاده أهم بكثير من تقصير فئة أو فرد بعينه , هناك مجموعة من الموظفين الصغار رأوا المياه المتسربة لمدة أسبوع كامل أو أكثر فلم يبادر أي منهم لاتخاذ إجراء يتدارك المشكلة , وهناك مدراء محكومين بسياسات من هم أعلى منهم يقدمون التسلسل الإداري وهيبة تجاوزه على حل المشاكل الملحة , وهناك وزير قدمت له دراسة لتنفيذ المشروع فغض طرفه عنها وحفظها في درج مكتبه , هناك ترهل إداري و رجال في غير أماكنهم و محسوبيات وواسطة وإعلام نائم ومتاكل لا يعلمها إلا الله تنخر جسدنا وتلقي بنا في مهاوي التخلف وعالم ما بعد العالم الثالث .
هذه هي حقيقة المشكلة , حقيقة لا تخفيها بعض المنجزات في رقعة محدودة من الأرض اسمها عمان , مشاريع بالمليارات ودرر عمرانية مبهرة لا نعلم الغاية من إنشائها ولا الشكل الايجابي الذي ستدعم به اقتصادنا الوطني , أما باقي الوطن فمحكوم عليه بالجمود لأنه بعيد عن العين بعيد عن القلب .
علينا أن ننظر لمشاكلنا بعين واقعية وإلا فان استقالتنا الجماعية من ركب الحياة هي المطلب الذي يبدو عادلا .