الجريمة والعقاب .. الحكومة واليسار والنواب!
أحمد سلامة
06-08-2023 04:41 PM
لقد آن الاوان أن اقول رأيي في قانون الجرائم الالكترونية باعتباري (غطست بروحي في هذه المهنة الكتابة والصحافة والاعلام) قرابة الخمسين عاما من العمر، ويحلو لي ان اتوهم ان واجبا وطنيا يلزمني ان اقول رأيي…
ابتداء لن اناقش القانون وتبعاته ومواده فانا انتمي لمدرسة ترى ان اصدار القواتين حق دستوري خالص للحكومة، وما يتبع ذلك من اجراءات دستورية في الغرفتين (النواب والاعيان) وكل ذلك يظل تحت مسمى مشروع القانون حتى يمهر بالارادة السنية الهاشمية العلية ادامها الله بركة وحكما في بلادنا…
مخلصا احاول القاء الضوء على بعض الملابسات والتهويمات والعراك الذي بدا وكأنه خارج النص (لعصبة من مشرعي غرفة الاعيان) على معنى الحصر واستهل هذه المداخلة بايراد جملة من نقاط اراها ضرورية قبل ان اظهر وجهة نظري في امر ملابسات المشروع
اولا: لقد عانيت شخصيا وعاينت بترو جملة الانفلات المجنون لحملات طالتني مرات ثلاث في حياتي المهنية وازعم انها كانت شخصية باكثر من اللازم وغير دقيقة في مجملها وقاصرة في فهم الذي كتبته، وكانت بكل دعاتها تنتسب الى المدرسة التحريفية التحريضية.
وهذه المدرسة قد تجاوزت على كل محرم وحرام ونالت من كل قديس ومقدس في حياتنا.
ومع ذلك اجد لزاما علي القول ان ذلك لن يكون قاعدة لموقفي الذي ابوح به اليوم فكل منطلق شخصي في ابداء الرأي بالقضايا الوطنية لا يعول عليه ويكون قاصرا
ثانيا: إن القوانين الوضعية التي دابت اوروبا على فرضها والاحتكام اليها بكل ابعاد الحياة ومتطلبات التقدم كانت الزامية وضرورة وحاجة ملحة لتخطي عقبة من عقبات الحياة التي انتجتها (الثورة الصناعية) بطلعتها الاولى وكانت صحافة (التابلويد) التي انتجتها المدن الصناعية الكبرى في (نيوكسل وبيرمينغهام، وساوثيمبتون) هي الحافز لقوننة الصحافة ودحر الشطط والغلو وولادة صحافة الرأي والرزانة…
ونحن لا نستطيع ان نكون اوروبيين بالكامل ولا مسلمين بالكامل لان مرجعيتنا في القول القرآني تنبع من جملة محددات أكثر صعوبة واشد عقابا لو اردنا تطبيقها لان اشد وصف رادع اخلاقيا وماديا للعبثيين ودعاة الانفلات من الضوابط ويتفوق على كل وصف غربي ما هو بوابة (ملتنا) فيما نحن بصدده (ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه)
هذا الوصف هو اول قانون رادع لجريمة النميمة وسوء اخلاق اقتحام خصوصيات الناس بالتجسس عليهم وما بين هذا التقنين الاوروبي، والتكريه الديني للنميمة وسفاهة التجسس على خصوصية الناس تكون الحاجة ماسة في مجتمعنا لردع (اكلة لحم الاخ الميت) لايجاد (كوريدور) او مخرج وطني عملي لما نحن فيه من عوائد ثورة لسنا صناعها ولكننا مجرد متلقين لادواتها هي ثورة الاتصالات المجنونة والعبقرية في آن..
وهل القانون الذي هو نحن بصدده يحل المشكلة ؟!
الجواب من وجهة نظري سيعقد المشكلة اكثر إن كان تطبيقه في فراغ معرفي كما ولد في فراغ وطني
ثالثا: لقد كشف الحوار الضاري الذي اندلع حول القانون عدم صوابية قرارنا الوطني بالاندفاع خلف مزاعم التجربة الحزبية واعتقد كما موقفي دائما لن تنجح تجربة الاحزاب في الاردن طالما انها حاجة فوقية واملاء من فراغ لملء فراغ
الاحزاب لها مبررات نجاحها وضرورة وجودها ولقد فضح مشروع قانون الجرائم الالكترونية هندسة اولوياتنا الوطنية… احزاب… اقتصاد… ادارة
اجازف القول نحن فقط بحاجة الى ثورة معرفية ادارية جامعة، تشد من ازر حكومة قادرة (ومقر) ملكي هاشمي مساند وتفعيل الخدمات الوطنية ولا احزاب ولا ما يحزنون !!!
لقد كان نجوم المواجهة في معركة القانون المذكور إما (كتبة الدولة الموصومون بالتسحيج) او قيادة جماعة الاخوان المسلمين الحزب الجماهيري الوحيد الذي ينافس حزب الدولة (اي مؤسساتها) وعصبة اليسار او التيار اليساري المتواجد بقرار مسبق في مجلس الاعيان
أين هيلمان الحزبيات!؟، وما وجهة نظر قادتها التاريخيين، نجوم المرحلة القادمة الذين افنوا اعمارهم وارواحهم في خدمة العرش والوطن والامة، كان تاثيرهم بالضبط مثل غياب وزارة ما يسمى (بالاتصال) وهو غياب معيب ساعود اليه بعد كم سطر..
لقد (فتك الاعلام وهو يروج لقادة الاحزاب المعلبة والمغلفة والموصى بها وعليها) وفي اول مواجهة انحصر النجوم في خمسة اشخاص في مجلس الاعيان، تم الترويج لحضورهم بعناية على امل النيل من الاخوان المسلمين لصالح اليسار الوطني ولكن ايضا ستكون كل مداخلاتهم تلفزيونية (والاسود والفهود) الراعية لحركتهم سيدركون ان ما انجزوه من دعم لليسار سيصب في صالح التيار الاسلامي
والانتخابات قريبة (عالعايش)
رابعا: رغم كل الصمت النبيل الذي يسود علاقتي على المستوى الشخصي بدولة الدكتور بشر الخصاونة رئيس الوزراء تلك قصة تحتاج الى فصل اخر اقول رغم كل ما بيننا من بعاد الا انني ازعم واتحمل مسؤولية زعمي ان بشر الخصاونة أكثر خيار (لـ سيدنا الملك حماه الله لنا) منذ اول حكومة لجلالته حتى بشر هو اكثر رئيس وزراء جاء يحمل ملامحنا الوطنية وعفته في القول وعمق وعيه ونظافة يده وفرجه اهلته ان ينتزع من معارضيه الاحترام والتبجيل
لكن دولة الرئيس قد اقترف بحقنا الحرام (في المجال الاعلامي) حين اكتفى بقبول وزراء للاعلام او للارشاد الوطني من صنف من اختارهم
لان المرحلة التي نود فيها فرض قانون كهذا كان بحاجة ان يكون وزراء الاعلام غير هذا، لقد كان وزراء الاعلام في حقبة الدكتور بشر (تقنيين فنيين) لا دراية لديهم لا في السياسة وليس عندهم من رغبة في اعتبار مهمتهم معركة وطنية يجود بها المرء بروحه ان لزم
حقيبة الاعلام ليست مثل غيرها ربما أن الوزير الحالي (تقنيا) يصلح او من كان قبله ان يدير مؤسسة إعلامية لكن وزير الاعلام كما عرفه البناة (شاعر القبيلة)
لو كان لدينا شاعر القبيلة لكان الصخب غير هذا الصخب وكانت الفائدة غير هذه الفائدة..
خامسا: إن أي قانون يفرض ما لم تتوحد مرجعيات القرار الاعلامي في المنصات الثلاث (تصور المقر، والتصور الامني، والتصور الحكومي) لن تقوم للاعلام قائمة في بلدنا، كيف لمنى الشاذلي الاعلامية المصرية المذهلة ان تصنع حلقة اعتقد الحكومة استفادت ترويجيا منها الكثير الكثير حلقة عن الاردن من جملة فاعلة من هاني البدري ومن درع من ايمن سماوي في مهرجان جرش كيف لهذا ان يحدث!؟
إن لدى الأردن اشياء كثيرة تجعله متفوقا ولم نكن بحاجة لكل هذا النقد من كل الجهات لو اننا سلحنا او نسلح انفسنا برسالة وطنية نبيلة محترمة تشبه كل شيء جميل ولا نسلم اعلامنا لاناس هم كانوا مجرد (كتاب خواطر سياسية) واضحت كل قراراتهم تكسر خاطرنا كل يوم
انا اتحدث عن وجع وطني لا بد ان يعالج بغير طريقة قانون الجرائم الالكترونية،
إن حل مشكلة انقضاض (اكلة اللحم الميت) علينا في منصات التواصل سوف لن يحلها سوى استجابة اجهزة الدولة كلها الى ارادة الملك
بان يكون الاردن بوابة حياة.. كيف لبلد يريد ان يكون بوابة التكنولوجيا لكل الشرق الاوسط وندخل في معارك مع منظمات دولية ترى في قانون جرائمنا الالكترونية تراجعا واستفزازا
اخيرا: لن يحل القانون مشكلة غضبنا من التكنولوجيا الاتصالية بل ان الارتكان اليه وحده سيعقد المشهد اكثر
مرة اخيرة التمس من كل من يرى انه مسؤول عن مصلحة البلد ان يدعم القانون، إن مر بصورته الراهنة ببرنامج وطني شامل فخلية اليسار الذي صحا فجأة في مجلس النواب وتم الترويج له عن قصد لن يفيدنا بشيء
اليسار في كل الدنيا قد انتهى نحتاج الى مهننة وليس ان تكون قرارات (الطلقاء لدينا ممن تبواوا مناصب عليا في الاعلام) شهادات اعتذار لتاريخهم عبر دعم وحشد يسار في غير توقيته
المواجهة التاريخية في مجتمعنا هي بين الحداثة وان يكون مجتمعنا مع الحياة او الشد الى الوراء وهذا مباشرة ما يمثله التيار الاسلامي المحافظ وليس في الوسط اي قوة مؤثرة
نحتاج الى اصلاح اداري شامل فـ (ليك وان يو) لم يصنع احزابا ليجعل من سنغافورة بلدا نموذجيا، ودينغ هيسياو بينغ لم يجعل من الصين غابة من الاحزاب، بل ان من دمر كل انجاز الاتحاد السوفياتي سابقا هي تجربة غورباتشيف في التعددية
لا نحتاج الى احزاب نحتاج الى ادارة دولة حازمة قادرة منسجمة
والسؤال لماذا المخابرات زابطة معها والجيش العربي زابطة معه والامن العام جنبنا كل المصايب والاعلام يتخبط؟!
اتدرون لماذا يبدي الملك سخطه على ادائنا الاعلامي لانه يتمنى ان يكون الاعلام رسالة وغابة من مواقف لا قوانين تثير الجدل وحسب
القانون ليمض الى قدره كما سيقرره سيدنا وليس من حق احد ان يتوقع ما هو فاعل فقد استمع لكل الآراء، والامر له من قبل ومن بعد
لنبحث عن طريقة تجعل من اعلامنا رسالة وكفى