أهمية "التحديد" في "القانون المدني" الذي يضبط العلاقات والتصرفات
د. ضرار مفضي بركات
06-08-2023 12:22 PM
يُعدُ "القانون المدني" انموذجاً، حياً وحيوياً في المعاملات والعلاقات، بما يُنظم علاقات الجماعات، والإفراد، والمجتمع ككل سُلوكياً، وبينَ الأشخاص أنفسهم وبينَ الدولة، بمجموعة من القواعد الضابطة، والأحكام القانونية، التي تُبين وتحدد للجميع "حقوقهم وواجباتهم" للحد من أي تداخل بين المصالح، وتجنباً للفوضى، واختلال التوازن؛ وتفادياً لسيطرة الذات بما عُرفَ عن بعض الناس من أنانية، وتمادي على الحق وسلطانهِ.
ويأتي هذا المقال ليتضمن أهمية "التحديد" في "القانون المدني" الذي يضبط العلاقات والتصرفات، بين الأفراد ببعضهم البعض، أهمية وحاجةً وموضوعاً، ومضموناً، ومصدراً على عدة محاور، كما يلي:
المحور الأول: ماهية "التحديد" في "القانون المدني" الذي يضبط العلاقات والتصرفات:
1- لما كانت تلكم العلاقات في المجتمع مبنيةً على المعاوضة؛ لأنَّ كلُ فردٍ يأخذُ ويُعطي سِلعةً أو مَنفعةً أو خِدمةً بثمنٍ وجهدٍ، وغيرها من التصرفات القانونية( الشرعية). فكانَ لا بد من الالتزام بما نظمهُ القانون من قواعد؛ لكي لا تتضارب المصالح، وتحصل الـنِزاعات،
2- يُعدُ (القانون المدني) أحد أنواع القانون الأردني الخاص- إلى جانب القانون التجاري، والدولي الخاص، وقانون العمل، وقانون أصول المحكمات المدنية، وهو أيضاً (القانون المدني) يعدُ أصل لتلكم القوانين الخاصة في حالة المسكوت عنه من المسائل.
3- مفهوم القانون المدني الأردني: هو مجموعة "القواعد" الموضوعية المنظمة؛ للحقوق المالية والالتزامات، التي تنشأ بين أفراد المجتمع، نتيجة تعاملاتهم ونشاطاتهم الاكتسابية، وسائر أفعالهم "بتحديد" أسبابها المولدة لها، ثم أثارها ونتائجها فيما بينهم، بمعنى أنهُ مجموعة من القواعد، التي تُحدد العلاقات بين الأشخاص.
المحور الثاني: الدور المهم في تحديد القانون المدني للتصرفات والوقائع القانونية، وفيه:
أولاَ: موقف القانون الشريعة الإسلامية من طبيعة (الالتزام) من حيث تحديد النظرة والمذهب إليها، بالتحليل المختصر التسلسلي والجامع ، بين النظرة الشخصي، والنظرة المادية، والنظرة الجامعة على النحو الآتي:
الأول: النظرة الشخصية: وهي رابطة شخصية وعلاقة قانونية بين (دائن ومدين) والمحل هو (الالتزام) وهو برأي الأستاذ الزرقا.
الثاني: النظرة المادية: وهي ما تكون على أساس أنها (حالة قانونية) وهذا برأي الشيخ السنهوري.
الثالث: نظرة الفقه الإسلامي وهو يُجيز (حوالة الدين وحوالة الحق) ويجيز نشوء الالتزام قبل وجود الملتزم وهذه كلها يقول بها أنصار المذهب المادي.. بل إن الفقه الإسلامي توسع ليشمل إجبار حبس المدين المماطل، أو لنقل إعطاء سلطة المدين بواسطة الدولة نزوع إلى المذهب الشخصي، وذلكم بالجملة حماية لحقوق الناس، ومنع الطامعين عن المماطلة بالباطل في أداء الحقوق.
ثـانـياً: ويُعتبر إرجاع ما تقدم إلى التسليم الثنائي لمصادر الالتزام، والحقوق الشخصية وهو ما تبناهُ المشرع الأردني، وإن لم يتضمن القانون المدني الأردني نصاً يُحدد مصادر الالتزام ويقسمها، إلا أنهُ تناولَ بترتيبٍ منطقيٍ مُعين ينم عنهُ، أنهُ يردُ تلكمُ المصادر إلى تقسيم ثُنائي، ومُضيفاً إليه (القانون) كمصدر مُنشئ للالتزام، وتقريرهُ إلى مَصدرين أساسيين، هُما:
أولاً: التصرف القانوني:(الإرادة، التي تُولد الالتزام) مُجتمعةً، كالعقود، و(الإرادة المنفردة) تصرفاً قانونياً له آثاره.
الثاني: الواقعة القانونية: (الفعل النافع، أو الفعل الضار غير المشروع).
وبهذا بالنظرة الحديثة التي تتوافق مع الفقه الإسلامي، استمداداً، ومصدراً، كما نصَ عليها في المواد: (١-٢) في حين أنَّ القانون المدني الأردني جعلَ تقسيمه للمصادر إلى خمسة أقسام: (العقد، الإرادة المنفردة، الفعل النافع، والفعل الضار، والقانون) وهي ما أعتمدها أيضاً القانون المدني المصري، والسوري، والعراقي.
بمعنى أنَّ "القانون المدني" يُنظم، ويَضبط، ويُبين (الواقعة) القانونية (الشرعية) كأحداث أولية، لإقامة وإنشاء التعاقدات، التي يُرتب عليها القانون، أثراً من حيث الالتزام، بمخالفة الأحكام والشروط، أو بمناقضةٍ مقصودةٍ للقانون في (واقعة) من حيث الاستعمال القصدي، إرادةً.. أو الغير قصدي، للفعل أو التصرف.
لذلك فانَّ الوقائع التي يُحدثها الإنسانُ بالجملة "أعمال إرادية" تكونُ بين شخصين، يُسمىَ"عقداً"، وإذا كانَ التصرف القانوني من جانبٍ واحد، سُميّ بــ"الإرادة المنفردة"، كالوعد بجائزة.
وهذا ضمنَ الوقائع الطبيعة للتعاقد والتصرفات والقانونية، في حين نجد أنَّ للإنسانِ تصرفات وأعمال مادية: تحدث بفعل الإنسان بوضعهِ، (الحاجي أو الفطري): كالأكل أو الشرب، أو (الوظيفي): فكرياً تواصلياً، أو بـ(المجاملة): اجتماعياً، أو لاستعمال حقوقهِ المدنية، بوجهٍ عام، غيرَ أنهُ ترتبَ على تلكم الأعمال، آثار قانونية، كإتلافٍ لمال الغير، أو ترتبَ مآلاً عنها أضرار: "مادية أو معنوية" بمجرد حدوثها، سواءً بقصدٍ منهُ أو من غير قصد، للأثر أو (الفعل الضار) الذي نتجَ عن تصرفات وأعمال طبيعية في الأصل، لكنهُ أحدثَ فِعلاً ضاراً بالغير، "قصداً" أو نتيجة التقصير وعدم التنبه، "بغير قصدٍ" تُسمى بــ(المسؤولية التقصيرية).
وعلى عكس ذلك فقد يقومُ الإنسانُ بفعلٍ ينفعُ غيرهُ، كأنَّ يقومَ بعملٍ يؤدي إلى أنَّ يستغني أو يُثري ذلك الشخص على حسابهِ، دونَ مُسوغٍ أو سببٍ، وهذا ما يسمىَ (الفعل النافع) غيرَ أنَّ القانونَ عدهُ مصدراً من مصادر الالتزام، كالكسب والإطراء بلا سبب، وقضاء الدين عن الغير، وغيرها.
المحور الثالث: أهمية التحديد في "القانون المدني الأردني" لضمان الحق وتفادياً للنزاع:
أهمية "التحديد" في "القانون" لضبط العلاقات والتصرفات، ربطاً بموضوعهِ بين (الواقعة، وموقعها، ومدى وقعها): تفادياً للخلاف، وضمان الحقوق:
بناءً على ما تقدم نجد بنظام المعادلة استقرائياً وتحليلاً، ما يلي:
1- أنَّ التعاقدات سببٌ الالتزامات، والإتلاف سببٌ للالتزامات.. فـ(الموضوع) محلُ الالتزام ومصادرهِ.
2- يُعتبر (مُوقعها) (زماناً ومكاناً) وبــ"زمنٍ فاعل"، ومُمعِنناً للأشخاص، اعتباراً فاعلاً بالنظر إليها مآلا، بناءً على مدى واقعيتها شخصياً، وهذا الجوهر والمضمون، في تلكم التصرفات بأنواعها: القولية والفعلية، وبمظهرها الخارجي من الإيجابية والسلبية.. وفي التطبيق المكاني "للـقانون المدني الأردني" فلقد نصت المادة(11): على أنَّ" القانون الأردني، هو المرجعُ في تكييف العلاقات عندما يطلب تحديد نوع هذه العلاقات في قضيةٍ تتنازع فيها القوانين؛ لمعرفة القانون الواجب تطبيقهُ من بينها" .
3- أيضاً النظر إلى مدى (وقعها) من حيث، مدىَ قوة الالتزام، وتنفيذهِ، ضبطاً وتنفيذاً.
الخلاصة والنتائج:
أولاً: يُعدُ (القانون المدني) أحد أنواع القانون الأردني الخاص-إلى جانب القانون التجاري، والدولي الخاص، وقانون العمل، وقانون أصول المحكمات المدنية.
ثانياً: المقال ليتضمن أهمية "التحديد" في "القانون المدني" الذي يضبط العلاقات والتصرفات، بين الأفراد ببعضهم البعض، أهمية، وحاجةً، وماهيةً، وموضوعاً، ومضموناً، واستمداداً ومصدراً، كما أنهُ أصلٌ لغيره من القوانين الخاصة، في حالة السكوت عن أمرٍ معين، يرجعُ إليه.
ثالثاً: إنَّ "القانون المدني الأردني" علمٌ اجتماعي -نوعي وهادف- موضوعهُ: الإنسان وسلوكهِ مع نظائرهِ، يضبطهُ، ضبطاً مَسلكيـاً اقتصادياً، واجتماعياً، تربوياً ونفسياً، وبامتياز..ومن الطبيعي أن تتنوع القواعد القانونية، التي تُنظم نواحي الحياة المختلفة، باختلاف طبيعة وموضوعات، وشكل الروابط المالية المُتعلقة بالمعاملات، كالبيع والتجارة والإيجار، وكيفية مُمارستها.
رابـعـاً: بيان الدور المهم للقانون المدني الأردني في تحديد التصرفات والوقائع القانونية، وفيه: الأول: التصرف القانوني: 1-(الإرادة، التي تُولد الالتزام) مُجتمعةً، كالعقود، و2-(الإرادة المنفردة) تصرفاً قانونياً له آثاره.
الثاني: الواقعة القانونية 1-(الفعل النافع) أو 2-(الفعل الضار غير المشروع).. إلى جانب (القانون)، الذي عدهُ مصدراً مباشراً وغير مباشر، من مصادر الالتزام، وهي بمجموعها لتكون خمسة مصادر للالتزام، أخذ بها القانون المدني الأردني.
والله الموفق لكل خير لا ربّ غيره.
المراجع:
1- (السرحان، عدنان إبراهيم، وخاطر، د. نوري حمد، شرح القانون المدني مصادر الحقوق الشخصية- الالتزامات- دراسة مقارنة، دار الثقافة، عمان، ط9، 2023م).
2- (أبو البصل، د. عبد الناصر، دراسة في فقه القانون المدني الأردني(النظرية العامة للعقد)، ط2، دار النفائس، عمان، 2010م).
3- مقال: حُماة الحق للمحاماة، "مفهوم القانون" على موقع: (https://jordan-lawyer.com/2020م/05/3).
4- مقال: بركات، ضرار، "القانون" بين الأهمية المسلكية وبين المفهوم والنوعية، على وكالة "عمون" الإخبارية الأردنية، تاريخ:1/8/2023م على: (https://www.ammonnews.net).
5- مقال: "القانون المدني" على وكالة "عمون" الإخبارية الأردنية، تاريخ 7/9/2022م على: (https://www.ammonnews.net).
* محاضر غير متفرغ/ ج. جدارا / وعضو الاتحاد الأكاديميين والعلماء العرب ويعمل لدى وزارة التربية والتعليم/ المملكة الأردنية الهاشمية
Drarbrkat03@gmail.com