في هذه المحطة سأتحدث عن أزمة الهوية، فنحن في الاردن ننتمي الى بلاد الشام سياسيا والى الجزيرة العربية ثقافيا والاغلبية الى الجنس العربي جينيا.

قد يبدو ذلك بسيطا، ولكن ذلك ابقى الاردنيين في منطقة تماس الهويات مما جعلنا مشاركين في المغرم ومحرومين في المغنم، و سأعطي مثالا بسيطا وهو مشاركة الاردن الفاعلة في كافة الحروب العربية، فعندما هزمت الجيوش العربية كان الاتهام والتخوين من نصيب الاردن وحتى في المعركة الوحيدة على الارض الاردنية والتي انتصر بها الجيش الاردني وهي معركة الكرامة سلب النصر من قبل اعلام اليسار الطاغي في حينه واحتجنا اكثر من 50 عاما ليعاد الاعتبار لشهدائنا بعد ظهور الوثائق من الاطراف المختلفة.

نحن لم نعقد صلحا الى اليوم بين هويتنا السياسية وهويتنا الثقافية لاسباب عديدة، لذلك بقيت باقي دول بلاد الشام تشكل تهديدا امنيا للاردن حتى لو ادعى الجميع غير ذلك وبقينا على أطراف الخليج العربي، وبرأيي أن ثلاث دول عربية عانت من صراع الهوية السياسية مع الهوية الثقافية وهي العراق والاردن ولبنان مع الاختلاف ان الاردن كانت كلتا الهويتين عربية ولكن لم يتم دمجهما.

لا أعرف كم نستطيع الغوص في عمق الموضوع ولكنني سأعرج عليه بحذر، الاردن انقسم الى ثقافة بدوية (رغم ان حاملي شعارها مستقرون في القرى والمدن) وثقافة فلاحية (رغم ان حاملي شعارها يعتمدون القضاء العشائري والعطوة والصلح والقهوة والخيل اي ان جذورها بدوية)، ولكن كلتا الثقافتين هما نتاج عدم التصالح بين الهوية السياسية والهوية الثقافية، فالاولى تميل سياسيا للخليج و الثانية تميل سياسيا للشام والحكومة تجمع بينهما بخطوط رفيعة.

اذا عدنا قليلا للتاريخ فإن الاردن كان منطلقا للمنطقة، فمنه انتشر العرب العدنانيين الذين حملوا لواء الفتح الاسلامي بعد قرون وفيه نشأت اول حضارة عربية (الانباط) وبه تم تغيير الشرق العربي وتحريرة من العثمانيين لتظهر نواة الامة العربية الحديثة.

اذا فالاردن ليس فقط دولة، بل دور أولا ثم دولة، أي أن الاردن بدون الدور الذي يتوجب عليه لعبه سيفقد اهميته وسيعود لتنافس الهويات الداخلية.

برأيي أن الأردن ظلم في ترسيم حدودة عند التأسيس وكان المفروض بما انه ينتمي سياسيا الى بلاد الشام أن يكون له منفذ على البحر المتوسط وهذا يجب ألا يتم اغفاله في الحلول النهائية لقضايا المنطقة والتي ما زالت مشاكلها تتدحرج الى التأزيم وليس الى الحل، قد يكون ذلك بتبادل اراضٍ مقابل منفذ على المتوسط بجسر بري محمي باتفاقات دولية او غير ذلك، ولكنني أجده مطلبا حقا للاردن ليستكمل هويته السياسية للشام، فليس من المقبول أن يقدم الاردن الشهداء لتحرير المشرق وخوض حروبه ولا يكون له منفذا على المتوسط فالعالم اليوم يتشكل من جديد بشكل جديد.

أما الهوية الثقافية فلا بد من تصالحها مع ذاتها وفقا للدور الاردن ليشكل هوية محددة مستقلة مبنية على الشرعية الهاشمية و شرعية الاردن كأصل للعرب وشرعية الاردن كصاحب أول حضارة عربية وشرعية التاريخ وشرعية الدماء التي قدمها الاردنيون.

كنت أود الخوض في التفاصيل أكثر وفق ما افكر به وأراه، ولكنني بت أجهل سقوف المسموح، وفي النهاية فأنا أفكر فقط بصوت عالٍ فقط.