قد يجد لبنان نفسه مرة ثانية أمام حرب أهلية داخلية، من خلال شرارة مخيم عين الحلوة، وهي شرارة لا يمكن التهوين منها، وقابلة للامتداد إلى كل لبنان، بكل تنويعاته المختلفة.
يعيش في لبنان قرابة نصف مليون فلسطيني، يتوزعون على 12 مخيما، وأغلب المخيمات الفلسطينية مسلحة، وتتقاسم التنظيمات الفلسطينية هذه المخيمات من فتح إلى حماس والجهاد الإسلامي، وصولا إلى شخصيات أمنية فلسطينية لها طموحها داخل الضفة الغربية وغزة، وتبني امتدادا لها عسكريا وسياسيا وماليا داخل هذه المخيمات التي تعد مخيمات مسلحة لم تنزع الدولة اللبنانية أسلحتها، بعد اتفاقيات متعددة كان من أهمها اتفاقية القاهرة التي وقعت عام 1969 التي سمحت للفلسطينيين بإنشاء نقاط للكفاح المسلح داخل كل المخيمات على الأراضي اللبنانية بالتنسيق مع الجيش اللبناني، كما منحتهم حق إدارة مخيماتهم.
ما شهده مخيم عين الحلوة قبل أيام خطير، حيث دب الاقتتال بين حركة فتح وأحد التنظيمات الإسلامية مما أدى لقتل وجرح العشرات، وتبادل إطلاق النار، حتى وصلت القذائف إلى صيدا القريبة من عين الحلوة، واللافت الانتباه هنا أن عدة دول عربية وغربية حذرت رعاياها وطلبت منهم مغادرة لبنان فورا، وعدم التحرك بشكل غير مدروس داخل لبنان.
ما يمكن قوله هنا إن هناك تحليلات تتحدث عن السيناريو الإسرائيلي الجديد في لبنان، والذي يستهدف أساسا حزب الله، وبنيته العسكرية، إذ بدلا من شن حرب خارجية على لبنان وتحمّل كلفة هكذا حرب على إسرائيل، فإن السيناريو يتحدث عن إشعال النار داخل لبنان ذاته، حتى يحترق حزب الله في نيرانها، ويأخذ معه بالطريق حركة حماس، والجهاد الإسلامي، حتى برغم علاقات التنسيق مع الحزب، فهي علاقات هشة، سرعان ما ستنهار عند أول مواجهة.
هذا السيناريو الذي يستبعده البعض يقوم على أساس توظيف التعقيدات الداخلية في لبنان، الذي يعاني اليوم من إشكالات سياسية واقتصادية وسكانية واجتماعية ومعيشية، وأزمات مذهبية وطائفية، أبرزها وجود أكثر من مليوني سوري، تتم إضافتهم في تحليلات المخاطر إلى الكتلة السنية في لبنان، برغم أنهم غير لبنانيين، وهؤلاء مع نصف مليون فلسطيني سني، وفي ظل سيطرة شيعية سياسية وعسكرية، وشكوى لبنانية مسيحية من تراجع تأثير الكتلة المسيحية-عدا بعض القوى المسيحية- يشكلون معا، أرضية خطيرة لإشعال حرب جديدة في لبنان، تبدأ تحت أي عنوان، وتمتد إلى عناوين جديدة مستحدثة، تقود كل لبنان إلى حرب أهلية جديدة، بحيث يصفي الفرقاء بعضهم بعضا، وبحيث يكون حزب الله حصرا وسط المحرقة، ويحيث يدفع الكل الثمن مسلمين ومسيحيين، أيا كانت جنسياتهم ودينهم ومذاهبهم.
عند الحديث عن مصلحة إسرائيل في هذا السيناريو يشار إلى أن تجربة شراكة التنظيمات الفلسطينية في الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات تبقى حاضرة، وهذا يعني أن جر الفلسطينيين والسوريين أيضا، نحو مواجهة مع اللبنانيين المنقسمين أساسا، أمر وارد مع أي حادثة أمنية مفتعلة قد تقع وتؤدي إلى توسع حالة الاشتباكات بحيث يكون حزب الله طرفا أساسيا في حالة التوريط أو الإشعال أو رد الفعل، وهذا هو المطلوب؛ أي نقل الحرب إلى لبنان.
تعمل في لبنان عشرات الأجهزة الأمنية الإقليمية والعالمية، وعلى رأسها أجهزة أمنية إسرائيلية، وهناك قدرات متوفرة لإشعال مثل هذه الحرب الداخلية، فهذه هي الطريقة الإسرائيلية الجديدة، وقد رأينا في إيران مثلا، أن إسرائيل لا توجه ضربات عسكرية مباشرة، بل تنفذ عمليات داخلية، حتى لا يتنزل عليها رد الفعل، وفي النموذج اللبناني، فهو خصب جدا لهكذا سيناريوهات، مع وجود شبكات أمنية لإسرائيل في كل مكان، قادرة على تنفيذ أي مخطط خلال الفترة المقبلة.
في بعض التأويلات حول توقيت حوادث عين الحلوة، وما تلاها، يقال إن إسرائيل تخطط لتوجيه ضربة علنية مباشرة لإيران، وهي تريد مسبقا إشعال لبنان الذي يعد قاعدة عسكرية إيرانية، وإشغاله بمحرقة داخلية، لتعطيل قدرة حزب الله على بلورة رد فعل إذا تم الاعتداء على إيران، وهذا مجرد رأي لا يمكن افتراض صحته تماما، لكن لا يمكن تجاوزه.
توقف الاشتباكات في عين الحلوة، حالة مؤقتة، وعلينا التنبه جيدا إلى صيف لبنان وخريفه، ومن المؤلم أن يتم كل مرة توظيف ورقة الفلسطينيين وتوريطهم في حروب غير مقدسة.
الغد