رفعت مذيعة البي بي سي مريام أورايلي دعوى قضائية على القناة التلفزيونية إلى احدى المحاكم لأنها فصلت من وظيفتها كمقدمة برامج في القناة بسبب تجاعيد وجهها، وبحسب الخبر الذي بثته وسائل إعلامية أن أورايلي رفضت طلب حقن وجهها بالبوتكس بناء على طلب القناة التي تنوي اعتماد تقنية جديدة عالية الوضوح ستكشف خطوط الوجه وتفاصيله بدقة تفوق الصورة العادية بعشر مرات، لكن أورايلي وهي اعلامية عتيقة في البي بي سي اعلنت وقوفها ضدّ قرار يعدّ انتقاصا ً من قيمتها الفكرية وتقليلا ً من خبرتها الإعلامية وحجم الرسالة التي تؤديها.

..تبدو المفارقة غريبة حيث تنطلق في العالم العربي سنويا ً مسابقة أجمل اعلامية عربية تعزيزا ً لمبدأ الإعلامية النجمة حيث الصورة الفاقعة أعلى صوتا من الكلمة، وبينما ترفض اعلامية غربيّة النزعة الترويجية للمرأة وتعتبر هذا القرار حربا ً على الخبرة والإبداع، تعبر «الإعلامية» الفائزة بلقب ملكة جمال الإعلاميات العربيات أنها ستقاتل لأجل الحفاظ على اللقب.

إبهار الصورة لا يلغي وجود إعلاميات يتسلحن بالمعايير المهنية وبالثقة والمعلومة والفكر المتجدد ويؤمنّ برسالة تعزيز الوعي لدى المشاهد بدل الاعلام القائم على النطنطة ومراكز التجميل. الفراغ والافلاس المعرفي وغياب الابداع أسباب تدفع باعلاميات كثيرات لتبني مفهوم الجمال والغنج كوصفة سحرية للنجاح ، وإن كانت الميوعة هي البضاعة الرائجة على معظم الفضائيات لكن وقفة جادة من إعلامياتنا القديرات كالتي تبنتها مريام أورايلي كفيلة باعادة رسم صورة نيرة للإعلامية العربية وبكفّ المتسلقات بالأصباغ عن الالتفاف على المنطق واستخدام الأدوات العاطفية.

الإعلامية الثرية ثقافيّا ً لن تضطر لعزف وتر المفاتن وهذا ليس كلاما شاعريا طالما هنالك إعلاميات عربيات مثل منتهى الرمحي وخديجة بن قنة وليلى الشيخلي وفوزية سلامة ونشوى الرويني وغيرهن لنماذج مشرقة ومشرفة في الاعلام العربي يعول عليهن لرفع المستوى المهني للإعلامية العربية وللإعلام العربي.

بالعودة ثانية إلى موقف مذيعة البي بي سي فهي رسالة إعلامية نتطلع إليها، إذ ليس بالضرورة أن تتقدم الإعلام عارضات أزياء، وهي بتصدّيها للقرار المتسرّع الذي اتخذته محطة جادة إنما تحارب شكلا ً فاضحا ً من التمييز ضد المرأة حول العالم حين تقول: لا أعتقد أن القنوات الفضائية تسائل رجلا عن تجاعيد وجهه وصبغة شعره.

هل بات ينحاز الإعلام الجاد إلى حسابات السوق حيث آلية التأثير في الناس تتم عبر طريق مختصر يعتبر المفاتن حجر الأساس؟. أتوقع شخصيا ً أن تكسب أورايلي قضيتها وتواصل برنامجها عن الريف الانجليزي وستشجع كثيرات حولها بالتصدي لتسليع النساء والتمييز ضدهن على أساس العمر والجنس، وستدفع بقناة تلفزيونية بحجم البي بي سي إلى اعادة النظر وتقديم التعويض عن الضرر النفسي والإعتذار. فهل من إعلامياتنا العربيات من تمتلك شجاعتها؟.