نحمد الله أن عشنا البردين، وشهدنا الماضي بكل تفاصيله، والحاضر بكل ما في ثناياه، ولم يبق في العمر الذي نتمناه، سوى القليل ربما، بعلمه تعالى.
وبعد: فهذا الأردن الذي نحبه حد العشق، لم يتحمل أحد في الإقليم كله، ما تحمل هو من أعباء الحروب والنكبات وموجات اللجوء والنزوح لمدد بشري هائل على امتداد عقود دولته الحديثة، ومع ذلك، فقد صبر وما زال، وأوفى بشرف وما زال، لا بل، وأظهر من المروءة والشجاعة والاعتزاز بالواجب، ما لم يظهره شعب آخر على هذا الكوكب.
بلد بدأ فقيرا ولكن قنوعا وما زال، دفع الأثمان كلها ولم يلتفت يوما حتى لكلمة شكر من أحد، وجسد شعبه ومن كل المشارب، حقيقة انهم شعب النشامى وباقتدار تام.
وهم وبرغم كل ما واجهوا من مصائب وأهوال ومؤامرات ومصاعب وضنك عيش، الصابرون، المرابطون، المنتفضون، شجاعة وحمية دفاعا عن سائر العرب والمسلمين، وبالذات، في فلسطين فك الله أسرها.
راهن حساد كثيرون، وحاقدون كثيرون، على بقاء الأردن وصموده، ويشهد التاريخ أن الأردن واجه من ظلم القريب والبعيد ما تنوء دون حمله الرواسي، لكنه، وبشرف لا يجاريه شرف، لم يتنكر يوما لا لعربي،ولا لمسلم، ولا لإنسان على هذا الكوكب، وإنما قابل الإساءة بالإحسان، وبنى دولة، كانت، وتبقى بعون الله، الأميز بين الأقران، والدليل، أن الله وفقها في الاستثمار بالإنسان تحديدا، وليس سرا مثلا، أن نسبة الأمية بين شعبنا الكريم اليوم، تقترب من هامش الصفر، وهذا إنجاز يفوق كل إنجاز على وجه الأرض.
الأردن بلد بلا ماء أو نفط، رقعته الزراعية محدودة، وصناعاته محدودة، وهو محاط وباستمرار، بطوق من النار والمشكلات والصدامات، ومع ذلك، ليس بين صفوف شعبه النبيل، سواد محروم أو جائع أو مهزوم.
هذا الأردن، محروس بعناية رب العالمين، ومن كان الله معه، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولو لم يكن الأمر كذلك، لكان الحال غير ذلك قطعا.
هذا الأردن، وبكل من فيه وما فيه، صافي القلب والنية، ليس في تاريخه لوثة يستحي منها، بل العكس هو الصحيح، حيث الأصالة والكرم والشهامة ونصرة المظلوم ونجدة الملهوف، وتلك هي تربيتنا وقيمنا شعبا وقيادة، بحمد الله، كابرا عن كابر.
من هنا، وحيث تشتد من حولنا الأهوال، وحيث تطل عيون الذئاب من كل ركن وزاوية، وحيث يكشر المحتل الغاصب لفلسطين عن انيابه، تنفيذا لأحلامه التي لا تقف عن حدود الأردن وفلسطين وحسب، وغافل من يتوهم غير ذلك، فإن صون الأردن من كل شر، واجب مقدس، والدفاع عن حاضر الأردن ومستقبله، واجب مقدس، وتوحيد الصف وجبهته الداخلية، واجب مقدس، والعمل المشترك حكومة وشعبا معا على الخروج بالأردن من ازماته، واجب مقدس لا بد وأن ينهض به، كل أردني وأردنية، ليس من أجلنا نحن الجيل المعاصر وحسب، وإنما من أجل أبنائنا وبناتنا والأجيال الآتية كله?.
جرح مشاعري بحزن، صديق صدوق عزيز جدا يقول لي، والله، لقد بت أخشى على بناتي ماذا سيحصل لهن من بعدي، قلت، لا بأس أبدا، هذا البلد محفوظ بحفظ خالق الكون جل في علاه، فلا تحزن، لأن الله معنا ومع الأردن، وأنظر خلفك لترى، كيف اندثرت أمم وتهاوت أوطان وتهدمت عروش وسارت ملايين النعوش، وظل الأردن قويا بعناية من ليس كمثله أحد.
حفظ الله الأردن دوما وأعلى شأنه دائما. وهو تعالى من أمام قصدي.
"الرأي"