غادرت اليوم بيتي في رحلتي شبه اليومية إلى السوق التجاري المجاور ، والذي لا يبعد عن بيتي سوى بضع مئات من الأمتار . ورغم أن المشاهد التي أراها عادة في رحلتي القصيرة على الأقدام أضحت شبه تقليدية ، كحافلات متوسطة تتسابق لاقتناص أحد الركاب ، أو شاب َفـِرح بشبابه يصول ويجول بسيارة أظنه ثقب أنبوب العادم ليصدر صوتا مزعجا يضاف إلى صوت مكبرات صوت هائلة تبث موسيقى وأغان مزعجة ، وغير ذلك من مشاهد منفرة ، إلا أن مشاهد الأمس كانت مغايرة إلى حد ما .
شاهدت سيارة ركاب تنعطف مسرعة عند ملتقى شارع فرعي بالشارع الرئيس ، ويقودها شاب قد أحتضن طفلا لا يتجاوز عمره العام ، وكان الشاب يجري مكالمة من هاتف خليوي يمسكه بإحدى يديه ، ويمسك مقود السيارة بيده الأخرى . كان الصغير في أخطر وضع على حياته ، إذ أن أي توقف مفاجئ للسيارة كفيل بسحقه في ثانية أو أقل ، رغم أن قوانين السير في بعض الدول تمنع وجود أطفال في المقعد الأمامي للسيارة ، ولا أظن أن الأمين العام للأمم المتحدة كان يجري مكالمة هامة مع صاحبنا حول ما آلت إليه قضية الأطفال الليبيين المصابين بالأيدز .
لم يكد مشهد رائد الفضاء الأردني – سائق السيارة – يغيب عن ناظري حتى ُصدمت بوجود " منهل " لتصريف ماء المطر مكشوفا دون غطاء ، ويمكن تصور وقوع عابر سبيل - لا قدّر الله - في المنهل ، وما ينتج عن ذلك من كسور ورضوض ، وقد تقع إحدى عجلات سيارة مارة في المنهل وستقع خسائر متنوعة بالتأكيد . ولدى مراجعتي للجهة المسؤولة في مكتب منطقة أمانة العاصمة علمت أن الأغطية تسرق باستمرار ، وقال لي أحد الخبثاء لاحقا : تعلم الحكومة أن أغطية المناهل تصل في نهاية الأمر إلى أحد محلات صهر المعادن ، وعدد هذه المصاهر محدود جدا ، ويكفي مداهمتها لمصادرة المسروقات ومحاسبة أصحابها وإلزامهم بإعادتها .
وكان للانتخابات البلدية القادمة دورها في المشهد . فقد ألصقت عشرات من صور المرشحين على أعمدة الكهرباء والهاتف ، وجدران المنازل ، ولم تنجو منها لوحات الإشارات التحذيرية والإرشادية المرورية ، وكلها تحمل الوعود البراقة لمن ينتخبهم ، كانت الملصقات في كل مكان حتى أنها غطت بعض الشعارات الوطنية والأعلام التي رسمت وخطت على الجدران قبل عدة شهور ، يومها سمعت أن الطلاب الذين قاموا بتنفيذ هذا العمل " التطوعي " حصلوا على علامات مدرسية إضافية لدورهم الوطني . وصلت الاستهانة والاستخفاف بأصحاب الصور والبيانات الانتخابية حدا كبيرا وصل إلى إلصاق صورهم على لوحات إعلانية زجاجية وبلاستيكية منارة ومرخصة في مواقف الحافلات كلفت المُعلِن مبالغ ورسوما طائلة ، كما ألصقت الصور قريبا من واجهات المحال التجارية . إذا كان المرشح لمجلس أمانة العاصمة يشوه بصوره وإعلاناته الحي قبل الفوز ، ماذا سيفعل إن فاز ؟. أرى محاسبة أصحاب الملصقات على فعلتهم ، حتى لو زعموا أنها ألصقت دون علمهم أو تعليماتهم ، بل تطوعا ممن أسموها لجان الدعم والمساندة .
المشاهد المروعة والمؤذية كثيرة ، والصورة قاتمة جدا ، ولا أريد أن أفرط بالتشاؤم ، لكن الأمر بحاجة إلى تدخل حكومي ، من محاسبة لا تعرف التساهل ، نحن كما أرى نخشى القانون ونخافه أكثر مما نحترمه بمرات ومرات ، كما نحتاج إلى وعي وإدراك تام لأفعالنا التي يمكن أن تودي بأرواح بريئة ، تقع المسؤولية على عاتق الجميع . ولنعلّم الأبناء ، ولنعلم قبلهم أن الوطنية هي عمل وسلوك قبل أن تكون صورا وشعارات ، وأول ما نحتاجه هو العمل ، وآخر ما نحتاجه إطلاق شعارات لا تدخل حيز التنفيذ .
haniazizi@yahoo.com