فهم البعض أن المقصود بحديث الحكومة عن القرارات الصعبة هو زيادة الضرائب أو تخفيض الدعم بقصد توفير المال لسد عجز الموازنة، وأن مصدر الصعوبة أن قرارات كهذه تؤثر سلباً على شعبية الحكومة.
إذا كان الأمر كذلك فإن قرارات الحكومة الأخيرة بتخفيض بعض الرسوم والضرائب وزيادة الدعـم الاستهلاكي بكلفة 160 مليون دينار كانت قرارات سهلة، ومصـدر السهولة أن قرارات كهذه تلقـى الترحيب وتعزز الشعبية. لكن رئيس الوزراء يؤكـد أنها لم تكن سهلة بل بمنتهى الصعوبة، ربما لأن من شـأنها زيادة النفقـات الجارية، وتوسيع فجـوة العجز، وارتفاع المديونية، والتضحية بالمستقبل من أجل اللحظة الراهنة.
كل القرارات الاقتصادية والمالية صعبة، فليست هناك قرارات كلها منافع وتستطيع إرضاء الجميع، فكل مكسب له ثمن، ومقابل من يستفيد هناك من يتضرر، كما أن هناك منافسة في الأولويات، بين الحاضر والمستقبل.
القرار الذي يحقق مكاسـب لجهة ما فترضى وتلوذ بالصمت، يمكن أن يحقـق أضراراً لجهـة أخرى فترفع صوتها بالاحتجاج، وبالنتيجـة فإننا لا نسمع سوى الاحتجاجات.
من أبرز الأمثلـة على ذلك ما حـدث في التعديلات المتعاقبـة لقانون المالكين والمستأجرين، فمن غير الممكن إرضاء الفئتين معاً، وعندما يميل القانون لجانب المستأجرين يعترض المالكـون ويتهمون الحكومة بالانحيـاز، وعندما يميل بالاتجاه المعاكس يعترض المستأجرون ويتهمون الحكومة بالانحياز وهكذا.
القرار الاقتصادي ليس أبيض يجب اتخـاذه دون تردد، أو أسـود يجب تجنبه بأي ثمن، فمعظم القرارات تقع في الدائرة الرمادية، وهناك منافع وأضرار، وعلى الحكومة أن توازن، فتقبل الآثـار الجانبية السلبية لكل قرار إيجابي. هـذه الموازنة هي التي تجعل القرارات صعبة.
الذين يقيـّمون القرارات لا يجوز أن ينظروا إليها من زاوية واحدة، فهناك وجه آخر، وتلبية الطلبات لها ثمن لا يريد أحد دفعه.
كلنا نحب الدعم للتخفيف عن كاهل المواطن، ولكنا نكره العجز والمديونية والاعتماد على المنح الأجنبية، فأين تقع نقطة القرار، ومتى نضحي بهذا من أجل ذاك.
بعـض القرارات لها نتائج سـيئة اقتصادياً ومالياً ولكنها قد تكون لازمة لتجنب الأسوأ، فالخيار في هذه الحالـة بين السيء والأسـوأ، أو بين المر والأشـد مرارة.
الراي.