الرفاعي، النظام الوطني الجديد
د.عبدالفتاح طوقان
19-01-2011 01:15 AM
ماهي الروح الحقيقية والغرض من مشروع التظاهر وإطلاق شعارات الكراهية والحقد ضد
"حكومة الرفاعي"؟. بالتأكيد هي أكثر من “ياسمير قول لأبوك أن الشعب بيكرهوك".
فالمظاهرات التي نظمتها أحزاب وتنظيمات قاطعت الانتخابات ، وبعض منها يتبنى رؤية
دول أخرى هدفها إقامة " لجنة الفوضى المنظمة" وإحداث بلبلة في الشارع الأردني
واستغلال مشاعر و معاناة البسطاء من الفقراء والمحتاجين في مفارقة لتعطيل أداء مجلس
النواب المنتخب والتعدي عليه و على صلاحيته.
لا يوجد مجال للعودة إلى ساحة تعبث بها يد راضخة لتعليمات الخارج أو تابعة لبقايا
"شرق مخلوع" ، ساحة تنتهز نهج التحول إلى ديموقراطية الدولة الأردنية الحديثة
لتنال من سيادتها .
المشكلة الاساسية هي أن المظاهرات ليست مستقلة تماما. و ليس صحيحا ان "الاخوان "
قاطعوا و الدليل ان نقيب المهندسيين و هو احد رموز " الاخوان " و ممثلهم الانتخابي
و الشعري طالب جموع المهندسيين الانتظام في التظاهر ، و غيرها من الادلة .
و المشكلة الثانية ان بعض من المتظاهرين الذين انضموا الى عفوية الفقراء و
المتضررين من الاوضاع الاقتصادية العالمية التى انعكست على الاردن هم من مثيري حماس
الجماهير و عواطفهم . و هم فئة قليلة تريد للأردن أن يتوافق مع العبودية لأنظمة
سقطت في جهة وان يرتبط بتيار عقائدي يمتد إلى منتصف "طهران" في الجهة ألاخرى.
إن حياة الناس مليئة بالصعوبات والغلاء وارتفاع الأسعار وقلة الوظائف و من حقهم
التذمر و الغضب ضمن الاطر المشروعة تعبيرا عن حقهم ، و لا يحق لاي دولة خارجية او
شخص ان يستغل عاطفة الشعب و يخاطر بحياة الوطن.
واضيف هنا ان قضية تدني التدخل و ضعف الاقتصاد و عجز الموازنة ليست "حصرية متميزة
بالأردن". أن مساحات الصعوبة والشقاء تمتد من جنوب أفريقيا إلى شمال نيوزيلاندا.
وحلم " حكومة إنقاذ لكل الشعب" وهم ملئ بالصعوبات وكثيرا ما تستخدم مصطلحات حكومة
الإنقاذ من قطع فردية طامحة الى بصيص نور فوق مقعد مخملي في حكومة جديدة تؤدي في
النهاية إلى فتنة لا نهاية لها ، او لمجموعة تهدف الى تقويض الداخل لصالح الخارج .
الأردن بحاجة إلى تنسيق وشراكة عقلانية ودية من جميع أبنائه ومفكريه ورجاله و نسائه
عوضا عن التصارع، عن غزو الشارع، عن ازدراء خطط التصحيح الحكومية التي ورثت مخلفات
وممارسات عهد قديم، عن غياب الحس السليم في الأردن الحضاري الساعي إلى تقدم اقتصادي
يفوق عن ظروف شعوب أخري أسوأ بكثير ، و عن بلدان تعيش الفوضى الرهيبة سواء من فر
رئيسها بملايينها ودولاراتها أو من خلع رئيسها من قبل أبناء شعبه بعد فترة من
انتخابات حصد فيها أصوات الأحياء والأموات و اتي بالامريكان للخليج.
الأردن يتفهم "مزاج العصر" و متطلبات البقاء ومفهوم الاستقلال ومعايير الممارسة
الديمقراطية والإدارة الاقتصادية ضمن إطار التعاون الدولي والتضامن الشعبي.
والحكومة الاردنية التى يترأسها "الرفاعي " تسعى إلى رابطة مستقبلية، نوع جديد من
النظام الدولي المتحضر، خالي من "هيجنة" رياح الشرق المخلوعة وكماشة غرب النهر التي
تريد قضم الأردن .
البعض يرى ان حكومة "الرفاعي " هي فوق الوطنية الآحادية ، تعمل لأجل عمل مشترك
يجتاز الصعاب و لو مرحليا الى أن يعود التوزان .
وآخرون يرون ان الاتيان برئيس مغاير او حكومة جديدة ، حتى لو لم يمكن ابيه رئيسا
للوزراء او خال من كوليستورل الواسطة فلن يكون بديلا عن " الدور الصعب والمرهق"
الذي يقوم به طاقم الوزراء الحالي، ولن يقدم احد حلولا سحرية لحل تاريخ طويل من
الصراع أو فك أشكال شعوري داخلي لا يمكن تطبيقه.
على العكس تماما ، كما يرى بعض الساسة فأن التغيير مقنن ، ومهما كانت الصعوبات او
بلغ حدها و على سقفها ، فالأردن لديه الكثير من الإيجابيات وقادر على إنشاء وإدارة
دولة القانون المستقلة والمتحضرة التي تسمح بمظاهرات وحرية تعبير ضمن الأطر
الدستورية التي تؤمن بتراب الوطن وهاشميته و دون اختزال "الدولة " و مشرويعة مجلسها
و حكومتها.
الإلهام الخارجي لتسييس الشارع هو تلاعب بإرادة الشعب و ينبغي التعامل معه قبل أن
يقضى على حضارية الدولة. و الانفصام الذي اصاب من ذهب مهللا و مهرولا الى ابواب
سفارة تونس تضامنا مع الشعب هم انفسهم من ذهبوا الى ابواب السفارة العراقية و لكن
ضد ارادة الشعب العراقي الذي اطاح برئيسه الذي لا يختلف بقمعه عن زين العابدين . و هو ما يدعو الى السخرية و الانكماش ،
ماذا يريد هؤلاء ، و ما ذا في جعبتهم للاردن حكومة و شعبا ؟.
هل هم مع ارادة الشعب في التغيير ام مع كوبونات "الزعيم " النفطية و هباته
التمويلية ؟. العالم لم يعد مسطحا كما قال توماس فريدمان و اقصد القول ان الشعوب
لم تعد سطحية .
إن دورا صعبا للغاية قادم ، واحد تحديات حكومة "سمير الرفاعي" هو التعامل مع
الساعيين لتدمير الديمقراطية بأدواتها التى امنتها الدولة الاردنية ، تلك الفئة من
الطامعين بالرضوخ الطوعي لسيادات الفوضى ، متناسين ان التاريخ لا يكتب بيد واحده او
باستخدام مكبرات الصوت و جمل " النضال " و فرز المواطنة،و اقلام فاقدي الوظيفة
السلطوية او المرتبطين بهم.
التظاهر السلمي هو أحد اشكال التعابير الحر عن المطالب و الارادة ، وهو مرحب
ومطالب به ضمن حضارية الفعل و اخلاقية القول ؛ ولكنه ليس حلا للمشاكل أو بديلا عن
الحكومة ، أي حكومة ساعية لنظام وطني جديد .
aftoukan@hotmail.com