الدبلوماسية الأردنية التي تؤمن بقاعدة "قوتنا في حضورنا" ترى أيضا أن "تثبيت الموقف هو موقف بحد ذاته"! وهذا يأتي في سياق تكرار وإعادة تكرار مستمرة لأسطوانة "حل الدولتين" التي يثبت واقع السلطة الفلسطينية نفسها أنه لم يعد قابلا للتنفيذ على المدى القريب ولا المتوسط، على الأقل بوجود تلك السلطة نفسها!
سيناريو إسقاط العملية السلمية " وكذلك السلطة الفلسطينية" وتحويل المناطق في الضفة الغربية إلى حالة فراغ فوضوي يسوده العنف الدموي ليس خيالا متطرفا، بل هي معلومات تتأكد يوما بعد يوم.
مع الحكومة "اليمينية" في اسرائيل فالسعي مستمر ومنهجي نحو تفجير الوضع في مناطق الضفة الغربية ودفع الناس إلى الحافة القصوى من اليأس، مع تزامن في ضراوة في التعامل الأمني حد استعمال الرصاص الحي وإسقاط السلطة واعتبارها غير قائمة بالتزامن مع تطويق المناطق الفلسطينية بحصار عسكري، وإفلات القوة الأمنية الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني.
ومن وجهة نظر شخصية طالما كتبت عنها ويتبناها كثيرون معي فإن التمسك بمفهوم وحدانية "التمثيل الفلسطيني" لمنظمة التحرير ووريثها "السلطة الفلسطينية" منتهية الصلاحية باتت خطرا على الأمن الأردني والإقليمي كله، وكذلك على مصير الضفة الغربية كأرض تحت الاحتلال، وهو ما يعيد الحسابات إلى نقطة ما قبل أوسلو وعند مدريد تحديدا وعلى الأقل، حيث التمسك بقرار 242 والواقع القانوني للضفة الغربية ما قبل السادس من حزيران، خصوصا أنها ورقة استخدمها المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة نفسه مؤخرا، باتهام الأردن كقوة احتلال للضفة الغربية عام 1950، وهي تهمة تعكس نوايا إسرائيلية واضحة تسبق سيناريو الانفجار الوشيك والمتوقع، ومع تلك الانكفاءة "الزمنية" إلى ما قبل أوسلو وكل تداعياتها التي تتساقط حاليا، فلا بد من توفير مظلة أردنية – إقليمية لقيادة فلسطينية مختلفة يتم تشكيلها من الداخل الفلسطيني نفسه.
وهذا كله على الأقل تحريك للراكد الذي ستفجره إسرائيل من طرف واحد، بدلا من إدارة "وضع راهن" لم يكن أكثر من مضيعة للوقت الذي استثمرته قوى اليمين لا في إسرائيل وحدها بل في الشرق الأوسط كله.
في مطلع عام 2020، ألقى الملك عبدالله الثاني خطابا بليغا ومؤثرا أمام أعضاء البرلمان الأوروبي وفي خطابه استخدم الملك سلسلة من الرسائل التي صاغها على شكل سؤال افتراضي بدايته "ماذا لو..؟". وهي صياغة مرنة دبلوماسيا تتيح للملك أن يضع كل مخاوفه ومكامن قلقه في حزمة تنبيهات شديدة اللهجة لكل من يهمه الأمر (والحقيقة أن الكل يجب أن يهمه الأمر أكثر من أي وقت مضى.)
استهل الملك تساؤلاته الافتراضية (وهي واقعية إلى حد كبير أيضا)، بالنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، فيصفه بأنه "أعمق جرح في منطقتنا" وتساءل: "ماذا لو تخلى العالم عن حل الدولتين لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي؟".
لكني أتساءل بدوري على ذات الصيغة: ماذا لو أدرك كل المؤمنين (بحل الدولة الفلسطينية المستقلة) الآن أن العالم تخلى فعليا عن حل الدولتين؟ ماذا لو كان حل الدولتين بالأساس قد أصبح مستحيل التحقيق؟
هو سؤال مشروع، ويضعنا جميعا في مهب الاحتمالات القادمة قريبا جدا.
الغد