شاخصتا صحة الوطن: «إلى الأمام سِر»
د. بسام الساكت
02-08-2023 02:04 PM
السير الى الامام يدل على التطور والانتظام وحزم الامور. وهو شعار يُردَدُ في التدريب العسكري والمعارك ومواجهة التحديات. ونقيضه التراجع والسير الى الخلف بفعل ضاغط او إهمال. لقد كنت وما زلت أحافظ على ما لدي من مخزون احترام ومحبة لقطاعي «الأمن والقضاء». فهما شاخِصَتَا صحة الوطن–ويضبطان كفتي ميزان الديمقراطية. والقاضي العادل كما التاجر الامين له منزلة رفيعة عند الخالق. فكيف لي إلاّ أن أصدَعَ لأمر الله. فرجل الأمن هو ضابط استقرار وحامي الوطن والمواطن وكذلك القاضي العادل. ولا أرتاح قطُّ لأي خلل او تهاون في هاذين القطاعين، كما لا أقبل حتى «التردُّدَ» في احترامهما.
عندما دخلنا الكشافة في الصغر ومعسكرات الحسين، وقرأنا تأريخنا، عرفنا جهاد رجال الأمن والجيش في مواجهة أعداء الامة، وفي ضبط إيقاع ادارة البلاد والدولة والنظام. ونمت لدينا، في فترة إلتحاقنا بالعمل العام، قيمة ورفعة الأمن، ثم حدَّدَتها ورسَّختها عندنا معارك الوطن مع الخصوم، ومشاركتنا في مهمة استدامة تطوير البلاد. فإزداد مخزون الإحترام لها عندي، وعند أبنائي، بل نقلت ذلك لمن حولي من طلاب علم أو موظفين.
ولست هنا بمعرض التحدث عن «هوايةٍ، بل رَفع رايةَ تجديد الولاية». ومناسبة الحديث هنا بالذات، هو لأجل التطرق لجناح من أجنحة الامن العام، وبالذات «السير والمرور». لقد تعرفت على العاملين فيه، وإنجازاتهم ومعاناتهم في الخدمة العامة وفي الشارع نهارا وليلا، صيفا وشتاء. وترسخت المعرفة عندما أُوكِلت إليَّ وزارة النقل والبريد والاتصالات عام 1997، فوجدت نفسي مع الطرف الذي أحترِم وأُحِب. فتواصلت مع رجال النقل والسير وشاركت وشجعت تنمية جماعة «أعوان المرور", تلك الفئة من المدنيين يضبطون مع رجال السير مخالفات المرور وفق القانون.
كما ويسعدني تجذير «مفهوم العلاج الوقائي»، فأكثر من ثلاثة أرباع الحوادث ناجم عن الجهل والإهمال. فالمعرفة بأعوان المرور، كرديف رجال السير، يرفعون انضباط السير والمرور ويُنمِّون الحس بالرقابة والسلامة وبالمسؤولية العامة، بحضور مراقب السير أو بغيابه. ويدخل في «مفهوم الوقاية المستمرة": وضع شواخص مرورية كبيرة ؛وتخطيط مسارات الطرق بدهانات «حقيقية» لاصقة، تُحدِّد المسارات والحقوق؛ والتشدد في فحوصات رخص السياقة وشركات التعليم؛ وتفقد عجلات المركبات وأهليتها على الطرق؛ وتوسيع تغطية الطرق بالكاميرات ومحددات السرعه؛ وتعميم فحص السياقه الفوري، تحت تأثير الكحول. وضبط وتنظيم الدراجات النارية والهوائية وبالذات عجلات توصيل الطلبات فتلك آفة خطرة يصل خطرها الى زعزعة السلم المجتمعي، من عطوات وشجار وأضرار، عندما تُصْدَم أو تصتَدِم!.
يتزامن حديثي هنا مع مناقشات قانون السير في مجلس الأمة. وكم اسعدتني بعض مواده التي تنص على تغليظ العقوبة على مخالفات السير الخطره، فـ «العصا لمن عصى». و«غلظة العقاب هي للمخالف فقط، وليست للمنضبط». والمنطق والعلم يؤكِّد أن تغليظ العقوبة يتناقض مع هدف الجباية. وما يجبى من موارد يجب أن يكون بندا مستقلا «يخصص» لهدف الحماية والوقاية من الحوادث. ورغم رفع العقوبات الماليه في القانون الجديد إلا أنها ما زالت لا تصل بالقدر الرادع لخطورة التعدي على قيمة الإنسان، والمال والمسؤولية في المجتمع. وأجد من الاهم تأكيده من نصوص العقوبة، «فورية وصرامة تنفيذها", ماليا وإداريًا، دون تأجيل وبعدلٍ، وباستقلالية قانونية تُعْطَى لمنفذي القانون؛ وحماية ضابطها من أيِّ تدخلٍ، ماليا وإداريًا. ذلك من باب إعلاء قيمة الانسان وسموه في تاريخنا، ومن باب محبتنا لأبنائنا وتقديرنا لاستثمارنا في ثروتنا الانسانية. وأرى ان يثمَّن عالياً، ويتناغم ويُبرَز جلياً في مواد القانون الجديد، ودون تردد، كل ما يردع الخروج عليه. فحوادث السير السبب الرئيسي للوفيات عندنا، بمعدل 300 حادث يوميا وبازدياد. وتبلغ نسبة تزايد الخسائر احيانا بأعلى من نسبة نمو الدخل المحلي الاجمالي–اعلى من 3.5% ؛ والخسارة المعنوية كبيرة، ولا تعوّض، في «السِّلم المجتمعي", وعند أي عائلة تفقد عزيزا لها، في حادث سير. فإذا ما أُضيفَ اليها ضياع استثمار العائلة في الطفل حتى سن الانتاج، فالمصيبة والخسارة تتضخم عند العائلة وعند الوطن.
فإن أردنا «مجتمعاً مدنياً» تعلوه سيادة القانون, لا الفوضى والتعدِّي، فليمْضِ بنا قانون السير «إلى الأمام سِرْ». ومن أراد أن يعمل مَقْلى أو أومليت، لا بد له أن يُكَسِّرَ «بيضاً». لكل أمرٍ جوانب سلبية وايجابية. والقانون الجديد خطوة متقدمة تعلو فيه الايجابيات، وسبقتها خطوات تطوير وإنجاز، أيضا. فلننظر الى قانون العقوبات -إنه ايضا عصاً تشريعية، ناظمة. نريد لقانون السير أن يكمِّل المسيرة ويرفع، ويديم، لواء الحماية والوقاية للانسان، شاملا مُشدِّدا على مخالفات الهاتف المحمول اثناء القيادة، والتعدي على الطرق والشجر والممتلكات، وتلويث البيئة، وضوضاء العوادم المزعجة المُركَّبة على السيارت الاستعراضية. كما أرى ضرورة تخصيص موارد مالية اكبر للامن والعدل وللسير وعامليه ورفع درجات المساءلة عندهم، «فالمسؤولية ترافقها المساءلة». وعلينا حماية رجال المرور والسير، ماديا وقانونيا واجتماعيا؛ ورفع درجات الوعي المجتمعي والقانوني بهم، وعندهم؛ وتزويدهم بمركبات ومجسَّات رقابية إلكترونية -الأحدث.
الرأي