لأول مرة في الأعيان معارضة برلمانية مكتملة الأركان
جميل النمري
01-08-2023 08:45 PM
لأول مرة تظهر في مجلس الأعيان كتلة معارضة واضحة ووازنة تطرح خطابا متماسكا ومنسجما.
جاء ذلك بمناسبة عرض قانون الجرائم الالكترونية على المجلس يوم أمس. فمن البداية ظهر تيار واضح ينتقد القانون في المسار والمحتوى وبعد سلسلة من المداخلات الأولية كانت تقدم مقترحات بالتعديل او الشطب للمواد الإشكالية ذات الصلة بالحريات أو حتى اعتراضا على صياغات تشريعية مرتبكة ويتم التصويت على المقترحات وتنال التأييد من نفس الوسط.
الحملة المناهضة للقانون في الوسط السياسي والاعلامي اعتبرته ردّة على مشروع التحديث السياسي وتحولا معاكسا للمشروع الذي اراده جلالة الملك لكن ظاهرة المعارضة للقانون في مجلس الاعيان (الذي عينه الملك) كانت على العكس تعطي اشارات قوية لصالح مشروع التحديث السياسي وتغير الصورة النمطية لمجلس الأعيان.
عندما تشكل مجلس الاعيان الحالي لوحظ التوجه لخيارات نوعية جديدة بضم عدد من الرموز الوازنة المحسوبة على اليسار لكن بالنظر الى ان بعض هؤلاء كانوا من اعضاء اللجنة الملكية للتحديث السياسي او وزراء سابقين وبالنظر لطبيعة مجلس الأعيان فلم يكن هناك اي تصور لأثر محتمل لاحق على الصورة النمطية واسلوب العمل السائد هناك.
ولعل الشهور الفائتة لم تعط مناسبة لتظهير حضور مختلف لهذا اللون تحت القبة حتى جاء قانون الجرائم الالكترونية وما اثاره من جدل صاخب حول الدوافع حيث تتداخل في بعض المواد الأسباب المشروعة لمكافحة الجريمة الالكترونية مع شبهات تقييد الحريات وتكميم الأفواه. ولأن الحريات الديمقراطية قضية مبدئية عزيزة على التقدميين لا مجال لتركها لحسن النوايا وتقدير السلطة التنفيذية فقد حدث تلاقي تلقائي للأعيان من اللون التقدمي في موقف موحد ينطلق من نفس الاعتبارات والمحددات التي اظهرتهم كتيار يعارض ليس لاعتبارات شعبوية عابرة بل لقناعات مبدئية ينحازون لها ويرون فيها مصلحة الوطن والمواطن وسلامة التشريع وانسجامه مع الحداثة والاصلاح السياسي.
وقد شهدت اللجنة القانونية مداخلات لعدد لا يقل عن تسعة زملاء تعارض بوضوح قاطع المسار الذي اخذه مشروع القانون ومفاصل في محتواه وللحق أيضا فإن اعيانا من "قرامي" الدولة ومن ارباب التشريع عبروا عن تحفظات واضحة ومنهجية أكان على طريقة السير المتسرع بالقانون او على بعض المواد وبعض الصياغات ولست مخولا بذكر أسمائهم ما داموا لم يعلنوا ذلك تحت القبة. لكن ما افرز التيار الجديد هو ان نفس المداخلات المعترضه داخل اللجنة تكررت وبصوت اقوى تحت القبة من طرف زملاء صوتوا ايضا لصالح المقترحات البديلة مثل طلال صيتان الماضي وبسام حدادين وخالد كلالدة وخالد رمضان ومصطفى الرواشدة وعبلة عماوي، ومصطفى حمارنة، وعلي السنيد وغيرهم شكلوا واقعيا تيار معارضة برلمانية واضحة ومعلنة كما لم يحدث من قبل في مجلس الأعيان ولهذا الأمر ما بعده بالنسبة لصورة مجلس الاعيان ومصداقية مشروع التحديث السياسي.