وهم الإنتاجية: التركيز على الحضور عوضا عن النتيجة
د. محمد عبدالله اليخري
01-08-2023 02:53 PM
في عالم الأعمال التنافسي، أصبحت فكرة الانشغال اتجاها سائدا، وإن كان محيرا، بدلا من التركيز على النتائج الملموسة والإنجازات ذات المغزى، يبدو أن بعض رجال الأعمال يركزون على حضور موظفيهم وعلى شراء أفضل جهاز للبصمة والتعرف على الوجه وغيرها من الأساليب حتى يضمنوا حضور موظفيهم الى مكاتبهم او الى العمل، والأولى من ان يركزوا على أهمية حضور الموظفين وشراء كل هذه التكنولوجيات ان يركزوا على أولا وأخيرا استقطاب الموظف المناسب للمكان المناسب وثانيا تحفيز هؤلاء الموظفين لكي يحافظوا على حبهم وولائهم وانتمائهم للشركة وصاحب العمل. تتعمق هذه المقالة في النظريات النفسية وراء ظاهرة عقلية أصحاب العمل المحيرة في التركيز على حضور الموظفين عوضا عن النتائج وتستكشف كيفية تأثيرها على الأفراد والشركات والإنتاجية.
وهم الإنتاجية - تأثير المتفرج
إحدى النظريات النفسية التي تلقي الضوء ظاهرة الحضور أهم من الإنتاجية هي نظرية "تأثير المتأهب"، تحدث هذه الظاهرة عندما يفترض الأفراد أن شخصا ما في الشركة سيتحمل المسؤولية عن موقف ما أو حل أي مشكلة، وهنا تتشتت المسؤولية ويصبح الكل يرى الخطأ او المشكلة ويعرض عن حلها كونه يعلم انه هناك من سيحلها وخوفا من العقاب في حال فشل في حلها، وبالمثل، في بيئة الشركات، يمكن أن يعزز وجود العديد من الموظفين افتراضا جماعيا بأن شخصا آخر سيتعامل مع المشاكل وتحمل المسؤوليات، نتيجة لذلك، قد يلجأ الأفراد إلى التظاهر بأنهم مشغولين في أعمالهم الى ان يتم حل المشكلة الأساسية.
الخوف من التقصير (FOMOFear of Missing Out, ) - نظرية الندم
الخوف من التقصير (FOMO) هو محرك آخر يؤثر على الحاجة إلى التظاهر بالانشغال. تفترض نظرية الندم أن الأفراد يخشون الندم المحتمل على فقدان الفرص أكثر من الندم على اتخاذ قرارات خاطئة. في سياق الأعمال التجارية، تشير هذه النظرية إلى أن رجال الأعمال قد يخشون الندم على عدم اعتبارهم مشغولين، بدلا من الندم على عدم تحقيق نتائج ذات مغزى، ومن ثم فإنهم يعطون الأولوية للمظاهر وعلى انهم يديرون مجموعة من الموظفين الذين قد يكون لا حاجة لنصفهم عوضا عن التركيز على النتائج الفعلية.
المقارنة الاجتماعية - نظرية الهوية الاجتماعية
تقترح نظرية الهوية الاجتماعية أن الأفراد يميلون إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين لتحديد قيمتهم الذاتية ومكانتهم الاجتماعية. في عالم الأعمال التنافسي، قد يشعر رجال الأعمال بأنهم مضطرون للحفاظ على مكانتهم وسمعتهم من خلال عرض جداولهم المزدحمة، حتى لو كان ذلك يعني تهميش العمل المنتج. يمكن أن يؤدي الدافع إلى التفوق على الزملاء في الانشغال إلى إنشاء دورة ذاتية التعزيز تعطي الأولوية للمظاهر على الإنجازات الحقيقية، وهذه الظاهرة منتشرة جدا في الجيل الحديث، اذ أن اول مبرر لاي تقصير هو الانشغال الكثير وكثيرا ما نسمع جمل مثل "ما عندي وقت"، "انا كثير عندي شغل"، "انا مش ملحق"، "لو عندي فضاوتك كنت عملت وعملت" وهنا لا نعمم هذه الظاهرة اذ ان الأشخاص المشغولين فعلا والمنتجين في الشركات لا يتجاوز 5% من اجمالي الموظفين المتظاهرين بالانشغال وينعكس ذلك على كثرة الاستقالات او الهروب من المسؤولية.
تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات
يفترض تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات أن الأفراد مدفوعون بتقدم الاحتياجات، بدءا من الاحتياجات الفسيولوجية الأساسية والتي تبلغ ذروتها في تحقيق الذات، في سياق عقلية رجال الأعمال الذين يفضلون حضور موظفيهم عوضا عن الإنتاجية يصبح العمل رمزا للمكانة يلبي احتياجات المستوى الأعلى للاحتياجات في الهرم وهي تحقيق الذات والتقدير. فكلما بدا المرء مشغولا، زاد شعوره بالتقدير والتحقق من صحته، بغض النظر عن الإنجازات الفعلية.
التنافر المعرفي - التبرير الذاتي
تلعب نظرية التنافر المعرفي دورا هاما عندما يحمل الأفراد معتقدات أو أفعال متناقضة. ويحدث هذا عندما يدرك الشخص أن انشغاله لا يعادل بالضرورة الإنتاجية. لتقليل الانزعاج الناتج عن هذا التناقض، قد ينخرطون في تبرير الذات، وإقناع أنفسهم والآخرين بأن انشغالهم هو في الواقع شهادة على عملهم الجاد وتفانيهم، وهذا سبب رئيسي للاضطرابات النفسية والتوتر وينعكس ذلك ويبدوا واضحا عند نهاية كل شهر، عندما يقدم صاحب العمل على توقيع شيك الرواتب، هنا يصبح الحساب عسير والتركيز على الإنتاجية هي أهم الأولويات، السبب في ذلك هو أن أولويات صاحب العمل في تحقيق ذاته انتقلت من التقدير والشعور بالانشغال وانه فعلا صاحب عمل الى ان يحقق نفس الرغبة في تحقيق الذات في انه مدير ويستطيع الحساب والخصم والعقاب، وهنا تظهر شخصية جديده تغلبها حالتين نفسيتين وهما الغرور والنرجسية، وهاتين الحالتين أيضا من الحالات الطاغية في نظريات تحقيق الذات.
علم النفس وراء الحاجة إلى أن تبدو مشغولا بدلا من التركيز على النتائج في عالم رجال الأعمال هو شبكة آسرة من النظريات النفسية. من تأثير المتفرج إلى التنافر المعرفي، تساهم عوامل مختلفة في هذه الظاهرة المحيرة، ومع ذلك، من الأهمية بمكان للأفراد والشركات على حد سواء إدراك آثار هذه العقلية على الإنتاجية والنجاح على المدى الطويل، من خلال إعطاء الأولوية للإنجازات الحقيقية على ان يتم التركيز على الحضور والغياب فلم تعد الشركات الناجحة تتبع هذا الأسلوب ابدا وإذا ما كان هذا الأسلوب مفعل حقا فهنا حتما نظام حوافز يوازي نظام العقاب والخصم يمكن الشركات التحرر من وهم الانشغال وتبني نهج قائم على النتائج، وتعزيز مستقبل أكثر استدامة وازدهارا.