facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إسرائيل وحتمية المواجهة الداخلية


داود عمر داود
01-08-2023 12:56 PM

الطغيان السياسي:
عندما عاد بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومة "اليمين" الحالية، آخر أيام العام الماضي 2022، بدأ التحضير للانقلاب السياسي على "اليسار"، تحت مسمى "التعديلات القضائية". إذ أراد من خلالها تقييد صلاحيات المحكمة العليا بذريعة أنه يريد "تحقيق التوازن بين دوائر الحكم من حيث احترام اختيار الناخبين". وهذا التعبير الأخير "احترام اختيار الناخبين" هو أخطر ما في الموضوع، إذ يرى نتناياهو أن "التوازن" بين السلطات يشكل خطراً على حكم الأغلبية، وبالتالي هو يريد نظام حكمٍ، بلا قيود، ولا رقابة، ولا محاسبة، من أي جهة كانت. وهذا ما فعله نتنياهو بالضبط، إذ جعل السلطة التنفيذية تطغى على باقي السلطات. وبهذا لم تعد "إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط"، كما كان يزعم المحتلون، والمؤيدون لهم في الغرب.

دولة بلا دستور:
اسرائيل دولة بلا دستور، مثل بريطانيا. والمحكمة العليا، في البلدين، تحدد المبادئ الدستورية لنظام الحكم. لكن ما حدث في إسرائيل أن انتزعت السلطتان، التنفيذية والتشريعية، صلاحية الرقابة من السلطة القضائية. وهذا يؤدي إلى "تقويض التوازن الهش في الحياة السياسية الإسرائيلية"، وأن يطغى "اليمين" على "اليسار".

بين اليسار واليمين:
منذ أن أنشأت بريطانيا إسرائيل شكلت لها طبقة سياسية من قدامى المحاربين في صفوف الفيلق اليهودي، في الحرب العالمية الأولى. ثم جعلت من هؤلاء قادة للعصابات اليهودية التي عاثت فساداً وتخريباً وقتلاً في فلسطين، خلال فترة الانتداب. وقد تكونت هذه الطبقة الحاكمة من تيارين: الأول، الذي كان طاغياً في البداية، هو التيار اليساري العلماني، الذي حكم لثلاثة عقود متواصلة. وكان الثاني هو التيار اليميني، ذو التوجهات الدينية، الذي تولى السلطة لأول مرة، عام 1977.

ثلاثة عقود من حكم اليسار:
كان "اليسار" الإسرائيلي يشكل الأغلبية السياسية لثلاثة عقود تقريبا، بين عامي 1948 – 1977، وظل يؤلف الحكومة تلو الاخرى منفرداً، مستبعداً بذلك "اليمين"، الذي بقي في صفوف المعارضة. وقد تولى الحكم في تلك المرحلة "اليسارية" كل من: ديفيد بن غوريون، موشيه شاريت، ليفي إشكول، جولدا مائير، وإسحق رابين.

ويلاحظ أن اليسار الإسرائيلي يؤيد التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، وقد كان على تواصل مع المحيط العربي قبل قيام إسرائيل، ولم تنقطع الاتصالات السرية، حتى بعد قيامها. لذلك نجده يؤيد حل الدولتين، الذي تسعى إليه واشنطن. وقد أخذ "اليسار" على عاتقه، منتصف السبعينيات، تحضير اتفاقية "كامب ديفيد"، من خلال مراسلات السادات – رابين، بإشراف هنري كيسنجر، الذي كان وزيراً لخارجية أمريكا آنذاك.

صعود اليمين الإسرائيلي عام 1977:
ويبدو أن الخطة الأمريكية اقتضت أن يجهز "اليسار" اتفاقية "كامب ديفيد"، ويوقعها "اليمين". وهكذا أُتيحت الفرصة "لـليمين" الإسرائيلي أن يصعد إلى سدة الحكم، لأول مرة، عام 1977، بزعامة مناحيم بيغن، الذي ورث، من حكومة رابين السابقة، إتفاقية السلام مع مصر جاهزة للتوقيع. لكنه وجد نفسه مجبراً على التعاطي مع الواقع، وهو الرافض لمبدأ "السلام مقابل الأرض". ولقد أُرغم كارهاً على مجاراة "جهود السلام الأمريكية"، واستقبال السادات في القدس. ولم يترك الأمريكيون له أية فرصة للتملص من التوقيع على اتفاقية السلام، رغم مماطلاته وألاعيبه.

كان بيغن يُحسب على اليمين المتشدد الذي لا يقيم وزناً للمواقف الدولية، أو للحساسيات الخارجية، أو للموقف الأمريكي والأوروبي. وهذا هو نهج اليمين في إسرائيل، ما جعل حكوماته في صدام دائم مع الولايات المتحدة، منذ حكومة بيغن عام 1977، إلى حكومة نتنياهو عام 2023.

التناوب على الحكم:
بعد حكومة بيغن، اكتسب "اليمين" شعبية أكبر وصار التياران يتناوبان على تشكيل الحكومات. وكانت إمكانية التعايش بينهما قائمة، حتى جاء "مؤتمر مدريد" 1991، تلته "اتفاقية أوسلو" 1993، ثم اتفاقية "وادي عربة" 1994، فاشتد الصراع بينهما إلى أن رأينا كيف دفع إسحق رابين، "اليساري العلماني"، حياته ثمناً لـلاتفاقيات التي وقعها مع الاردن ومع منظمة التحرير الفلسطينية. ومنذ اغتياله، عام 1995، أصبحت إمكانية التعايش، بين اليسار واليمين في إسرائيل، تتقلص بالتدريج.

علاقة اليسار الأمريكي بالإسرائيلي:
يلتقي اليسار في إسرائيل فكرياً مع اليسار الأمريكي، ممثلاً بالحزب الديمقراطي، الذي يقدم الدعم والتأييد. فقد نشرت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية أن تمويل حركة الاحتجاجات الأخيرة ضد حكومة نتنياهو جاءت من ميزانية الخارجية الأمريكية. أما التوجيهات فيتكفل بها الزعيم الديمقراطي المتنفذ، اليهودي "بيرني ساندرز"، الذي يؤيد حل الدولتين، ويُبدي تعاطفاً مع الفلسطينيين.

خلاصة القول: المواجهة الداخلية ستُفقد إسرائيل أهميتها:
إضعاف القضاء أفقد إسرائيل إمكانية التعايش بين أطيافها السياسية، من يسار ويمين، مما يقودها نحو حتمية المواجهة الداخلية. المواجهة التي ظهرت إرهاصاتها، قبل موافقة الكنيست على "التعديلات القضائية"، وظهرت معها بوادر إنقسام وتفكك المنظومة العسكرية الحاكمة، وسط تضارب المصالح بين القوى الكبرى، والصراع الدولي الذي يلف المنطقة برمتها.

مهما سيجري في إسرائيل، بعد "التعديلات القضائية"، لن يؤدي إلى زوال إسرائيل ككيان. فوجودها على الخارطة ما زال مكفولاً من قبل القوى العظمى. لكن ما هو مؤكد أن إسرائيل ستفقد من أهمية وجودها كدولة. فاختلاف الرؤى السياسية، بين أهل الحكم، سيقودها حتماً إلى التصادم الداخلي. ومع أول طلقة تخرج ستصبح إسرائيل مثلها مثل اليمن، أو السودان، أو ليبيا، أو العراق، أو سوريا، أو لبنان، أو حتى الصومال.

أما دولياً، فلن يكون الوضع في صالح إسرائيل أيضاً، التي ستكون وسط تجاذب دولي، وصراع للنفوذ بين بريطانيا التي أنشأتها، وتجد "اليمين" في صفها، وبين أمريكا التي رعتها، واستفادت منها كقاعدة عسكرية، والتي تجد "اليسار" في صفها.

صحيح أن إسرائيل ستبقى على الخارطة لكنها لن تبقى كما هي اليوم. فالنزاعات الداخلية والانقسامات، والصراع الدولي، كفيلان بتحويلها إلى كيانٍ فاقدٍ لأهميته، قابلٍ للتجزئة والتفكيك. وما حال قبرص عنها ببعيد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :