(التعمية الاعلامية ) سلاح فاشل وخطير
طاهر العدوان
18-01-2011 03:14 AM
تجمع التحليلات التي تناولت الانتفاضة التونسية على اهمية الاعلام في تكوين الحدث التاريخي وذلك من جهتين, الاولى: فشل الاعلام السلطوي او الاعلام الامني في الحفاظ على امن الدولة واستقرارها, بل انه باجماع المراقبين فإن كبت الحريات الإعلامية كان احد ابرز الاسباب في اندلاع الانتفاضة التي اسقطت نظام بن علي.
من جهة اخرى فان المجتمع المدني التونسي, خاصة عنصر الشباب الذي يمثل الاغلبية (التي كانت صامتة في العهد السابق) قد وظف ثورة الاتصالات والفضائيات التي تقتحم الاثير السيادي للدول من اجل خدمة اهدافه اثناء المواجهة مع النظام على مدى شهر كامل , كانت فضائية الجزيرة في المقدمة لصناعة الحدث اليومي وحتى وضع اجندة لانتفاضة الشباب التونسي الغاضب, ولهذا حملت الجماهير لافتات "شكرا للجزيرة" فور سماعها انباء رحيل بن علي.
ما كانت الجزيرة لتنجح في تغطية الحدث التاريخي بالصوت والصورة لولا تحول مئات والاف الشباب التونسيين الى مواقع "الفيس بوك" و"التويتر" لمتابعة الاحداث وبث مشاهد الفيديو, فيما كان الاعلام الامني والرسمي يواصل بث برامج تراثية وسياحية وكأنه في قارة اخرى.
لقد وصف احد المراقبين الاعلام التونسي اثناء الانتفاضات بانه "مؤسسات التعمية الاعلامية" التي واصلت تخبطها بعجز فاضح عن مواصلة مهمتها, اذ لم يعد النفاق ممكناً, واصبحت كتابة المقالات التي تمجد بالحاكم الديكتاتوري ضرباً من المغامرة الخطيرة, فسقط هذا الاعلام ومؤسسات التعمية في شراك هوة الثقة السحيقة التي صنعتها بأيديها بين الحاكم وشعبه.
اثبت الحدث التونسي انه لم يعد ممكنا لأي سلطة مهما بلغت من القوة والجبروت, ان تسيطر على تداول الانباء والمعلومات او اخفاء الصور والحقائق. ومن غرائب الدنيا, ان شركات الاتصالات التي تحولت الى منجم ذهب عند بعض الزعماء واصهارهم وانسبائهم من خلال السيطرة على اسهمها وجني ثروات هائلة منها, اصبحت في الحالة التونسية السلاح الرئيسي في يد الجماهير لتقويض سلطة الديكتاتور من خلال بث صور الاحتجاجات على الهواتف المحمولة فعنونت نشرات الاخبار العالمية على مدى شهر كامل.
لقد اصبح شعار "الاعلام الوطني" عند كثير من الانظمة العربية الوجه الآخر لشعار "الانتخابات الوطنية", وباسم الوطن والاوطان والوطنية تحول الاعلام الى مؤسسات للتعمية, وكما قال احد المحللين "مهمتها ليس تغطية الاحداث بمهنية انما التغطية على الاحداث" لكن (بعباطة) واستهزاء بوعي الناس واهانة لعقولهم ومشاعرهم.
اما عن الشعار الذي يلصق كلمة "الوطنية" النبيلة بالعملية الانتخابية " غير النظيفة " فهذه قصة اخرى تنبه لها قادة تونس من الشباب الجدد عندما اعلنوا امس بعد مفاوضات مع رئىس الوزراء المكلف محمد الغنوشي, بانهم يصرون على وجود "مراقبين اجانب" لمراقبة الانتخابات النيابية والرئاسية لانهم يعرفون تماماً - على حد قولهم - قصة التستر بـ "السيادة والكرامة الوطنية" التي كان يتشدق بها نظام بن علي من أجل طبخ النتائج كما يريد.
باختصار, الاعلام الحر المستقل افضل واقوى سلاح بيد اي نظام مستنير, فالنقد والرأي الآخر هو روح الامن وضمانة الاستقرار وتطور المجتمع نحو الديمقراطية. اما الاعلام المنافق المُضلل الذي امتهن التغطية على الاحداث لا تغطيتها فانه يصنع "طناجر الضغط" التي تهدد آفاق الحرية والامان والتقدم للدولة والمجتمع, للحاكم والمواطن.
taher.odwan@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)