انتهى التوجيهي .. ماذا عن بلاويه؟!
د. ذوقان عبيدات
30-07-2023 12:07 PM
في التوجيهي!
حاولت قدر الإمكان أن أبتعد عن الخوض في التوجيهي هذا العام لسببين اثنين، وهما:
الأول؛ أن الأخطاء في الإجراءات يمكن أن تحدث، خاصة وأنها أخطاء بشرية! فمن مِنّا لا يخطئ؟ ومن كان منّا بلا خطيئة فليرمِ التوجيهي بألف حجر!
والآخر؛ أن الحديث عن الأخطاء في أثناء انشغال الطلبة بالامتحان أمر لا يفيد الطلبة، ويربك الوزارة - وقد حصل - دون أي نتائج إيجابية غير التلذّذ بأخطاء "الخصوم"، وهذا نوع من الساديّة!
لهذين السببين ابتعدت قليلًا- إلى حدّ ما-، بل ورفضت الحديث غير مرة عن الموضوع! أما الآن - وقد انتهت الجولة الأولى من التوجيهي، وتنفست الوزارة الصعداء، وتمكنت من إسكات الخصوم، حتى قبل قانون الجرائم سيء السمعة، وكذلك تنفس المجتمع، وربما نعِمَ الطلبة بليالٍ دون أحلام مزعجة - فقد آن الأوان لأي واحد أن يمدَّ قلمه وربما لسانه قليلًا.
سأتحدث في هذه المقالة- التي قد تكون طويلة - عن واقع التوجيهي من حيث آليات تخطيطه، وبعض جوانب إدارته، وعن بعض إصلاحات ومقترحات؛ للتعرف على بعض الأخطاء وعوامل حدوثها وإمكانات تجنبّها.
(1) ثقافة الوزارة والإدارة:
ليس سرّا أن وزارة التربية والتعليم جزءٌ من الإدارة الأردنية، وأنّ الإدارة الأردنية جزءٌ من النظام الاجتماعي والثقافي، وهذا ما يجعلني أتحدث بسهولة عن سطوة الوزير- أيّ وزير- ومن حوله، وأنصاره ومنافقيه، وعن جوّ العمل الذي يضطر كل صاحب رأي فيه أن يخفيَ رأيه، ويصمت؛ طلبًا للكلأ والأمن! إذن؛ نتحدث عن إدارة – مونولوج - لا إدارة – ديالوج -!! فالرأي ما يراه الوزير، أو من "وثِقَ" فيه الوزير، وغالبًا ما يكون هذا الموثوق به من غير ذوي الرؤى، وربما من غير ذي إخلاص! أكرّر هذا لا يعني وزيرًا ما ولا إدارة ما، بل جميع الإدارات الأردنية، وبدرجات متفاوتة!
من هذا الباب: هناك صوت واحد فقط! وقد يكون هذا الصوت مصيبًا في حالات قليلة، ولكن أغلب الأصوات ليست من علّيين! وفي ظل الصوت الواحد يصعب توقُّع آمالٍ كبيرة! فالإدارة في مثل هذه الحالات هي إدارة تراكم النجاح والفشل، ولذلك هي إدارة معلّمة وغير متعلّمة، وهذه أخطر الإدارات!
فلا تنوُّع، ولا إدارة تنوُّع ولا تعلّم، فالخطأ يصبح مألوفًا ولا يراه سوى مراقبين خارجيّين لا يستمع لصوتهم أحد! فلا غرابة أن يتكرر الخطأ نفسه، والجو نفسه كل عام.
(2) في إجراءات التوجيهي!
أتحدث هنا عن إجراءات وضع الأسئلة. فالوزارة تحرص بالدرجة الأولى على "سرّية الامتحان" وترى نجاحها وفشلها في مدى ضبط هذه السرّية؛ ولذلك، يشعر من يُختار لوضع الأسئلة بمسؤولية يصعب تحمّلها بمفرده، فهو المسؤول الوحيد عن سرّية الأسئلة من لحظة وضعها، حتى وصولها إلى الطلبة؛ ولذلك، يبدأ بقلب مرتجِف، وشخصية غير متوازنة، ومن هنا يتسلل الخطر، أو كما يُقال: من مأمنه يؤتى الخطر!
لا شك أن وزارة التربية تقدم له كل التوجهات من حيث الالتزام بالمنهاج، وتوزيع الأسئلة بعدالة ومراعاة التمييز والصعوبة وغيرها، لكن ما يحدث فعلًا هو أن لجنة وضع الأسئلة غالبًا ما توزع المهام بينها، بما يعني أن واضع الأسئلة هو فرد واحد، وليس عضو لجنة، فكل فرد مسؤول عن مَهمّته الجزئية وليس عن ورقة الأسئلة! فالأسئلة في الغالب يضعها فرد واحد، وليس لجنة متكاملة، وهذا الفرد لا يناقش عمله مع أحد، ومن هنا تنبثق إمكانات حدوث خطأ، وقد يحدث أن يكون أحد واضعي الأسئلة ساديّا فيتلذذ في وضع سؤال معقد!
هذه الآلية ستبقى مصدر وجود أخطاء ما لم تدقَّق ورقة الأسئلة من لجنة أخرى، ويُجاب عن كل سؤال فيها، ويُحسب وقت الإجابة بمستوىً طلاب متوسّطي الإمكانات! هذا حلّ إلى أن نصل إلى بنك أسئلة ما زال مفلسًا!
الأخطاء رافقت امتحانات التوجيهي منذ 1961 كما رافقته قبل ذلك، ولكن الإعلام لم يكن مسموعًا كما الآن! قد لا تنتهي الأخطاء الفردية لكنّ التحدي هو في كيفية معالجتها؛ فالإنكار ليس مجديًا، بل يزيد المشكلة، والتبرير ليس مناسبًا، وليت المسؤولين يدركون ذلك!!
(3) إجراءات يمكن إلغاؤها!
يحفل التوجيهي بإجراءات تثير التوترات، ولا لزوم لها مثل: جعل العلاقات بين الوزارة والمجتمع وليس مع الطلبة، بدءًا من تحديد الموعد، والتسجيل والبرنامج، والرسوم، وملء الإعلام بأخبار المعارك القادمة، وغير ذلك، ما يعطي الفرص لتوترات لا تفيد أحدًا. فالامتحان علاقة مع الطلبة، وليس مع المجتمع، والطلبة ينقلون أي معلومات ضرورية إلى أهلهم.
وما هو مهم إذن؛ هو تهدئة اللعب، وجعل الأمورفي انسياب وتلقائية. وهنا نبدأ امتحاننا، دون تحشيد، فقد نحتاج إعلامًا تربويّا إيجابيّا لتوجيه الطلبة. أذكر وزير تربية قبل سنوات - لن أحددها؛ خوفًا من قانون الجرائم - فاجأ الطلبة قبل يومين من الامتحان بأن أسئلة هذا العام ليست كما سبق!! تخيلوا حجم التوتر المجتمعي من هكذا تصريح!! وعلينا أن نعترف بعدم وجود إعلام تربوي - غير خبَري- على مدى تاريخ الوزارة! فإعلامنا يرتبط بمدى غرور وزيرها أو تواضعه!
عودة إلى إجراءات لا ضرورة لها، وفي مقدمتها: زيارات الوزارة إلى قاعات الامتحان على الرغم من وجود مئات الرؤساء، وآلاف المراقبين، وغرفة عمليات يمكنها التدخل في ثوانٍ! كان سيدنا عمر يحمل الطحين على ظهره بحثًا عن امرأة فقيرة، يعدّ لها الطعام!! كان هذا سلوكًا مقبولًا في دولة لا أجهزة إدارية فيها، ولا مساعدين ولا اتصالات، ولا مخابرات.
لكن الآن، لا يحق لمسؤول التخفي ليعرف بنفسه هل أن أسئلة التوجيهي مناسبة أم لا؟ لا أتخيل وزيرًا، ولا رئيس وزراء يمتلك الوقت الكافي للحصول بنفسه على معلومة، يمكنه الحصول على أضعافها من دون جهد، وتلفزيونات وسيارات وإرباك الطلبة في القاعة. وما دامت الوزارة عندها ماسح ضوئي، فإن بإمكانها في لحظات الحصول على آراء الطلبة في كل امتحان عن كل ما أبحث عنه!! إذ لا داعيَ لابتسامات أمام الكاميرا، فوق رأس طالب يعاني مرارة امتحان! وهنا يكمن تساؤل: هل كان المسؤولون يزورون القاعات وغيرها قبل التلفزيون؟
ونأتي إلى اجراءات ضبط التوجيهي، فما زال أحدهم يفتخر بوجود المدرّعات أمام القاعات! فهو لا يعرف أثرها السلبي البعيد المدى!! المهم، أن القواعد التنظيمية ضرورية، واحترامها ضروري أيضًا، لكن ما الذي يضير وزارة التربية باختراق هذه القواعد لصالح من أخّرته ظروف ما من السماح لطالب تأخر دقائق لم يستفد منها، ولم تؤثر على كرامة التوجيهي، ولا على عدالته؟ فالاجراء السليم يقضي باحترام القواعد، وليس احترام شكلها وحرفيتها!
ومما هو عجيب فعلًا؛ أن الوزارة ألغت سلوكًا متحضرًا إنسانيّا أخلاقيّا في السماح للطلبة المرضى بتقديم امتحاناتهم من المستشفى! رحِم الله وزير التربية عام 1974 حين قام بنقل مدير تربية نقلًا تأديبيّا لأنه أجبر طالبًا من المستشفى على تقديم امتحان في قاعة الامتحان! أعرف كيف تفكر الوزارة، قد تحرص على عدم استغلال بعض الطلبة الوضع، لكن إلغاء هذا التوجه هو إلغاء لإنسانية كان يمكن التمسك بها.
(4) ماذا عن أخطاء الأسئلة؟
الأخطاء تحدث مهما كنا دقيقين، فقد يخطئء أحد واضعي الأسئلة، وفي هذه الحال، يجب تقبّل الخطأ والاعتراف به، والعمل على إيجاد حل سريع، وأن الدخول في نقاش مع الإعلام ليس حكمة! وبرأيي لم يكن الرد الرسمي حكيمًا، وليس من الضروري أن "نداقر " ونقول: من حصلوا على علامات كاملة بالمئات، ومن حصلوا على تسعينات بالآلاف! والأدهى أن نقول: إن معظمهم من المدارس الحكومية! فهل هذا انتصار للوزارة؟ وانكسار لمدارس أخرى؟
إن واقع الأمر هو أنّ لدينا كتب علوم، ورياضيات جديدة تدخل للمرة الأولى في امتحاناتنا، ومن الطبيعي بروز مثل هذه المشكلات! ولعل هذا ما يفسّر اقتصار المشكلات على الكتب الجديدة، وليس الوقت ملائمًا للحديث عن تقويم هذه الكتب، لكن كان من المفيد لو انتبهنا ووجهنا واضعي الأسئلة إلى هذا! والمنطق يقول: إذا كان لدينا كتب جديدة"وعظيمة" كما يُصرّ داعموها، وحُماتها، فإن من المتوقع أن يتحسّن مستوى تحصيل الطلبة فيها! فهل نشاهد هذا التحسّن؟ أنا شخصيّا أتمنى ذلك!
بتقديري كان من الأجدى الاعتراف بالأخطاء، وتطمين الطلبة على معالجة آثارها، بدلًا مما فعلناه! وستبقى أخطاء الأسئلة "إلى الأبد" ما دام كل من يعمل فيها خائفًا متوترًا! الكل يعرف أن واضع الأسئلة يتلقى توجيهات بما يضمن تحقيق امتحان هادئ إلى حدّ يطلب منه حل الأسئلة بنفسه، والتأكد من خطوات الحل، والأهم من ذلك هو كفاية الوقت! ولست أدري مَن مِنَ علماء الرياضيات، والعلوم على خصومة مع الوقت! فبعض الأخطاء الصغيرة" قد تحدث"، ولكن خطأ تقدير الوقت لا يجوز أن يحدث إطلاقًا!
(5) بانتظار النتائج؛
يفترَض بالنتائج أن تكون سريعة، فالماسح الضوئي، والانترنت، والكمبيوتر في الميدان. هناك دول مجاورة أعلنت النتائج قبل انتهائها من الامتحان، ومن حقنا أن نتوقع أنّ وزارتنا على اطّلاع بذلك.
ما نأمله من الوزارة هو أن تقلص فترة الانتظار! وألّا يتلاعب أحد بالمجتمع والطلبة في تسريبات عن نسب النجاح ومواعيد إعلان النتائج، فقد سبق أحد وزراء المفاجآت قد حدّد موعدًا لإعلان النتائج بعد أربعة أيام ليعلنها في اليوم التالي!!!
لعل المأمول هو صدور بيانات إعلامية رسمية معتمدة تبلغ المجتمع بحقائق، أو التزام الصمت حتى النتائج. وتبقى"هُلّيلة" إعلان النتائج التي آمل ألّا تكون عبر مؤتمر صحفي نتلذذ فيه بالحُفّاظ العشرة، متجاوزين آلاف الراسبين، والتي اعتادت الوزارة تسميتهم بِـ: مَن لم يحالفهم الحظ! وكأن التوجيهي يانصيب!!
أتمنى أن تقوم الوزارة بإعلان تقرير وصفي تحليلي يوضّح النتائج، وأسبابها وما فيها من جديد! وهذا ما لم تفعله الوزارة طيلة تاريخها. المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية يفعل ذلك بما يتعلق بنتائج الاختبارات الدولية.