هل أفرطنا بالتفاؤل ؟ من بين عشرات الرسائل التي وصلتني من القراء الأعزاء، خلال الأيام المنصرفة، وتوزعت بين العتب والغضب، فاجأني أحدهم بقوله «انقع الأمل واشرب ميته»، آخرون تحدثوا بمرارة عن مشروع التحديث السياسي للدولة، ثم عن التجربة الحزبية والديمقراطية، ومآلاتها، قارئ ذكرني بسؤال : ماذا حدث، وفي أي اتجاه نسير؟
أفهم، تماما، الباعث الذي دفع هؤلاء الأعزاء لطرح مثل هذه الأسئلة، أُقدّر، أيضا، مواقفهم ومخاوفهم، وحتى غضبهم، معهم حق، فأنا -وغيري من الكتاب و الاعلاميين - يبدو أننا فتحنا «فرجار « الأمل اكثر من اللازم، وتصورنا، في لحظة «انتشاء وطني « أن السياسة في بلدنا «قُمرة وربيع»، وأن القادم فعلا أجمل.
كانت تدفعنا في ذلك نوايا مخلصة وصادقة، نريد أن نتقدم للامام، نريد للأردنيين أن يخرجوا من دائرة السواد العام واليأس، وأن ينخرطوا بالأحزاب السياسية والبرلمان، نريد أن لا «يتمنع» المجتمع عن المشاركة بالعمل العام، فتنشرح صدور « وجيوب» قلّة من المتنفعين والمتنفذين الذين يملؤون الفراغ بمزيد من الفساد والعبث، والاستحواذ على كل شيء.
هل أخطأت التقدير ؟ لا ادري، لكنني ما زلت متمسكا بالأمل، وأدعو إليه، لا يخطر في بالي، أبدا، أن اعتزل الكتابة، أو أن استقيل من العمل العام، أو أن أغرس في قلوب قرائي الأعزاء ما يدعو لليأس، كيف يمكن أن ادفع مجتمعي إلى «الموت السياسي»، كيف أساهم في لجم اصوات الحق والفضيلة والنقد المشروع؟
لا أحد يمكن أن يسلب الأردنيين حقهم في بناء بلدهم، او تصحيح مسارات إدارات دولتهم، أو أن يمنعهم من مواجهة الفاسدين، أو أن يأخذهم إلى «بازارات «اللطم والشكوى والاكتئاب العام، فيما «يبرطع» غيرهم بالخيرات المواقع، والولائم والغنائم، على حساب انكساراتهم.
أعرف أن المناخات العامة مزدحمة بصور الخيبة، والإحساس بالفشل والعجز، أعرف، أيضا، أن المزاج العام مضطرب ومشحون، أعرف، ثالثا، أن فجوة الثقة بين الأردنيين و مؤسساتهم اتسعت أكثر من أي وقت مضى، لكن مقابل ذلك استعاد المجتمع جزءا من حيويته، واستعادت بعض النخب حضورها، وانكسرت حالة «الاسترخاء» العام، و أصبح الأردنيون (الشباب تحديدا) أكثر وعيا على واقع قائم مازال فيه من يمتلك الاصرار على إعاقة التقدم للامام، دفاعا عن مصالحهم، وأكثر وعيا، ايضا، على واقع قادم يحتاج لمزيد من العمل والتضحية، والضغط باتجاه دفع عجلة التحديث، والانتصار على قوى الشد التي تعيقه.
أمام هذه المعادلة الواقعية التي انتصبت تماما على شكل صراع سياسي بين الوضع القائم والآخر القادم، لابد أن نتحصن بالأمل، ولا نفقده، وندافع بكل ما لدينا من قوة عن مشروع تحديث الدولة، ونثق انه لن يفشل، حتى وإن تعرقل في بعض محطاته الأولى، إذا امتلك الأردنيون مثل هذا الحس والعزيمة، فإن الآخرين ممن يريدون أن يضعوا العصي في الدواليب، سيتراجعون، أما إذا استسلمنا عند أول مواجهة، فإن مشوارنا سيطول كثيرا، وقواربنا ستتعطل، وربما تتوقف.
صحيح، لا نريد أن يصبح الأمل المغشوش وجها آخر للوهم، أو أن نساهم بتجميل الصورة، والتغطية على الخطأ بدافع تمرير الواقع، أو التواطؤ معه، أبدا، هذا ربما يفعله بعض الذين يتاجرون بآمال الأردنيين وآلامهم وطموحاتهم، ويركبون موجة الوعود والتصريحات المعسولة، ما أقصده أن نفتح عيوننا على الأخطاء، ونفرز من بيننا نخبا حقيقية تمثلنا، ثم أن يكون مشروعنا الوطني، وقضيتنا الأردنية، عنوانا لإجماعنا، وأن نتسلح بالعمل والأمل معا، بالهمة الوطنية، و الإصرار على التحول الإيجابي، لبناء الأردن في مئويته الثانية.
إذا اقتنع المجتمع بذلك، لن تجد إدارات الدولة امامها إلا هذا الخيار الذي هو خيار الناس، ولن يتمكن أحد من عرقلة مشروع التحديث الذي انطلق بضمانة الملك، وسينتصر بإرادة الأردنيين وصمودهم، ما دام لسان حالهم يردد مع الجواهري (أنا عندي وأن خبا أملُ //جذوة في الفؤاد تشتعلُ).
الدستور