facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كيف تبنى الدول؟


د. نهلا المومني
29-07-2023 10:46 PM

المضي قدما في بناء الدول وتقدمها وترسيخ ثوابتها هو الحوار؛ فالحوار وحده القادر على إزالة العقبات ووضع الثوابت والتعامل مع الاختلاف بكافة أشكاله وأطيافه، ولكن يبقى السؤال أي نوع من الحوار الذي من شأنه بناء الدول؟ لا يوجد أي مجال للشك بأنه الحوار البناء فقط، ذلك الذي تتقابل فيه الآراء وصولا للحقيقة والقواسم المشتركة، أقول تتقابل الآراء ولا تتصادم، وتلتقي الفكرة بالفكرة مع بقاء حسن الظن والنية دون اتهامات وأحكام وافتراضات مسبقة.

لربما كانت المحكمة الدستورية المصرية في العديد من قراراتها خير من عبر عن هذا الحوار البناء القائم بين الأفراد واطلقت عليه في بعض الحالات مصطلح سوق الآراء المفتوحة، حيث أشارت في إحدى قراراتها إلى الآتي».. ذلك أن هذه الحرية(وتقصد المحكمة حرية التعبير) يتعين أن يكون التوصل إليها من خلال إدارة حوار مفتوح حول المسائل التي يثور الجدل من حولها، اثباتا ونفيا، تقريرا ونكارا، مدا وجزرا، ليكون هذا الحوار كاشفا عما يكون صائبا من عناصرها، أو باطلا من دخائلها، فالآراء حين تتقابل، تتفاعل فيما بينها ولا يبدو زيفها أو اعوجاجها إلا من خلال قذفها بالحق وبذلك وحده يظهر ضوء الحقيقة، لتفرض نفسها على من يقبلونها أو يرفضونها، من يسيغونها أو يتخوفون منها، فلا يحيد عنها أو يتنصل من تبعاتها أحد.. وإن فكرة السوق المفتوحة للآراء لا تعارض تنظيم زمن ومكان وكيفية عرضها..»
السؤال المطروح في هذا السياق ماذا نحتاج فعلا لترسيخ أطر الحوار العام وصولا لمجتمع يؤمن به ويجعله ركيزة من ركائزه وثابتا لا يحيد عنه، وأقصد هنا الحوار البناء الذي يسعى للوصول إلى توافقات مشتركة.

على أرض الواقع هناك نموذجان لقضيتين شكلتا حالة من الجدل في الأردن، الأولى قانون حقوق الطفل والثانية مشروع قانون الجرائم الإلكترونية. مرة أخرى بعيدا عن التفاصيل الخاصة ببنود كل واحد منهما، ما يتوجب التوقف عنده هو آلية الحوار حول هذين القانونين، بالرغم من أن كلا منهما جاء لينظم قطاع مختلفا عن الآخر إلا أنه من حيث التعاطي معهما كان هناك تقاطعات مشتركة أبرزها، وجود حالة من التشكيك دوما بالنوايا، هذا التشكيك الذي لا تسنده حقائق ثابتة أو واضحة بقدر ما هي انطباعات شخصية متداولة شكلت مع الانتشار والتداول عقلا جمعيا بأن هذين القانونين يشكلان خطرا على المجتمع.

حين ثار الجدل حول قانون الطفل في حينه واتهم من شريحة واسعة بأنه قانون يهدف إلى الخروج عن القيم والثوابت المجتمعية والدينية، كانت الحقائق الثابتة بالقانون ذاته تشيرإلى أنه لا يعدو أن يكون قانونا يوفر مزيدا من الحماية للأطفال وأن تبنيه في الوقت ذاته سيكلف خزينة الدولة أموالا كثيرة لتغطية ما يتعلق بالتأمين الصحي الشامل للأطفال وانشاء العديد من المؤسسات بهدف حماية وتعزيز حقوق الطفل وبالرغم من ذلك دفعت به الحكومة قدما.. في حينه تصادمت الآراء ولم تكن تتحاور، بل كان ما يتسيد الموقف هو لغة الاتهام والتشكيك بالنوايا بعيدا عن مضامين القانون الحقيقية، والآن بعد أن أقر القانون بشق الأنفس نعلم جميعا أن هذا القانون إذا ما تم تطبيقه على النحو المأمول هو الاستثمار الأمثل الذي قدمته الدولة للطفولة مع دخول الأردن مئويته الثانية.

لا يختلف الأمر كثيرا في مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، فمن المنطق والصحي أن يكون هناك اختلاف في الآراء وتقابل فيما بينها، ولكن ليس من لغة المنطق أو الحوار ان يكون التشكيك بالنوايا هو سيد الموقف والافتراضات المسبقة هي التي تحكم المشهد، وغض الطرف عن مجموعة من التطورات التي جاء بها القانون، وكان من المؤمل أن يستند الحوار بصورة أكبر إلى وضع بدائل من شأنها التجويد الأمثل للنصوص القائمة ليس انطلاقا من لغة الاتهام للدولة ونواياها وإنما انطلاقا من أسس منهجية بعيدا عن الكلام المرسل في كثير من الأحيان.

مرة أخرى لا أتحدث اليوم عن مضامين أي تشريعات بقدر ما أجد أن الحوار القائم الذي نسعى من خلاله للمضي في بناء وترسيخ هذا الوطن يحتاج إلى لغة لا تقوم على الاتهام والتشكيك وكأن هناك طرفين متصادمين لا يجمعهما وحدة الحال والمصير وحب هذا الوطن؛ الدولة قد تجتهد في تعديل التشريعات وقد يكون لها مبرراتها انطلاقا من موقع المسؤولية ولا يتصور أن يتم الحكم على نواياها أو القاء الاحكام جزافا، والاطراف الأخرى لها وجهات نظرها المستندة إلى مجموعة من الاعتبارات، لذا فإن ما يستدعيه مثل هذا الاختلاف هو الوصول إلى ثوابت مشتركة والانطلاق منها ونحوها نحو تحقيق مصلحة هذا الوطن.

الغد





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :