الأردن بحاجة إلى العقول والسواعد والضمائر لا الحناجر
باتر محمد وردم
17-01-2011 02:46 AM
ما يمر به الأردن حاليا من نشاطات جماهيرية سياسية هو تعبير حضاري عن المواقف الشعبية وجزء اساسي من المعادلة الديمقراطية التي يجب أن يحافظ عليها كل بلد حديث مؤمن بالتعددية والحريات العامة. ولكن هذه النشاطات يجب ألا تكون بديلا وباي حال من الأحوال عن الادوات الأساسية لبناء الدولة وهي استخدام العقول للتخطيط المشترك للبحث عن حلول في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية واستخدام السواعد في تنفيذ هذه الحلول وكل ذلك ضمن إطار من الضمائر الحية الحريصة على المصلحة العامة.
مشاكل الأردن الاقتصادية متعددة الملامح والأسباب وهي تنعكس أخيرا على شكل ضائقة يتعرض لها المواطن في ثبات الأجور وانخفاض القيمة الشرائية وخسارة المدخرات وبيع الأصول والدخول إلى مرحلة الديون وربما عدم الخروج منها من أجل توفير المتطلبات الأساسية للمعيشة. وفي هذا السياق يبدو الإحتجاج الشعبي حقا دستوريا وكذلك المطالبة بالحلول السريعة ولكن من المهم دائما معرفة الأسباب الحقيقية للتعامل معها بشكل فعال.
منذ العام 2000 وحتى العام 2004 حيث كان الأردن لا يزال يخضع لبرنامج الإصلاح الهيكلي من قبل صندوق النقد الدولي بقي عجز الموازنة ثابتا تقريبا عند 200 مليون دينار ، وفي العام 2005 بعد "تخرج" الأردن من برنامج صندوق النقد ، تضاعف العجز ليصل إلى 480 مليون دينار ، واستمر تزايد العجز مطردا ليصل إلى 700 مليون في العام 2008 ومن ثم يقفز بطريقة مرعبة إلى 1420 مليون دينار ، اي ربع الموازنة العامة في العام ,2009 وفي العام 2010 تمكنت الحكومة الحالية من تقليل العجز ليصل إلى مليار دينار من خلال سياسات مكلفة اجتماعيا وسياسيا وهي التي تسببت في هذا الغضب الحالي على الوضع الاقتصادي.
هذا التوسع المذهل في العجز ارتبط مباشرة بزيادة لا عقلانية في الإنفاق وخاصة النفقات الجارية ، من خلال موازنات متضخمة وضعت تقديرات غير منضبطة للإيرادات وأسهمت في زيادة كبيرة في هدر المال العام المتاح بشكل كبير في تلك الفترة. رافق ذلك ايضا ارتفاع كبير في أسعار الأراضي والشقق وتحسن في أداء البورصة أسهم في تحول نسبة لا بأس بها إلى طبقة من الأثرياء نتيجة صفقات سريعة وبدون جهد كبير. في هذه الفترة لم تكن هنالك شكاوى اقتصادية من قبل الرأي العام ولا من قبل مجلس النواب لأن الجميع كان يعيش سعيدا باقتصاد الفقاعة الذي سيطر على الأردن. أما الأصوات القليلة والتي دعت إلى الحذر وإلى ضبط الإنفاق العام وإلى ضبط اسعار الأراضي والشقق فتم النظر إليها وكأنها معادية للتقدم والإزدهار والإستثمار.
التوسع في الإنفاق استمر لخمس سنوات متتالية بدون أن ينتبه أحد من صناع القرار الاقتصادي إلى الإشارات الحمراء الصادرة عن أرقام الموازنة ، بل إن التوسع استمر ليشكل إنشاء أكثر من ثلاثين مؤسسة مستقلة خلال هذه الفترة إنضمت إلى ثلاثين سابقة لتضع على كاهل البلاد موازنة تصل إلى ملياري دينار. . ما يحدث الآن أننا جميعا ندفع ثمن غياب أدوات الضبط والرقابة على إدارة المال العام وكذلك ثمن العنجهية التي منعتنا في السنوات الماضية من النظر إلى المستقبل بدلا من الغرور بالحاضر.
الآن نحتاج إلى استخدام العقول والسواعد والضمائر من أجل التفكير بحلول اقتصادية مستدامة تساعد في تحسين نوعية الحياة للمواطنين وتنشط الاقتصاد بدون أن يتم ترحيل المشاكل إلى الأجيال القادمة ، وبدلا من التهديد بحجب الثقة من الأفضل قيام مجلس النواب بمراجعة ودراسة الموازنة العامة التي سيتم تقديمها قريبا للمجلس من أجل تخصيص المبالغ المالية الكافية والمطلوبة لحل المشاكل الاقتصادية لأن الامتحان الحقيقي هو في دراسة الخيارات وإدارة الموارد المتاحة بطريقة ذكية ومستدامة ، أما أسهل الخيارات فهي الاحتجاجات الصوتية.
batirw@yahoo.com
(الدستور)