فيلم "فتى الكاراتيه" من الأفلام التي ألهبت خيال أجيال كاملة من اليافعين الذين تفتح وعيهم ثمانينيات القرن الماضي، خاصة جزؤه الأول الذي طرق دور العرض سنة 1984.
الفتى "دانيال لاروسو" ومدربه ذو الأصول اليابانية "مستر مياغي" كانا بمثابة أيقونتين بالنسبة لليافعين الأردنيين وقتها، شأنهم شأن الملايين من أقرانهم حول العالم المبهورين بسحر "هوليوود"، والذين كانت براءة الطفولة ما تزال عالقة بأردانهم فلم يكونوا يدركون التوظيف "الدعائي" المبطّن الذي كان ينضوي عليه الفيلم بأجزائه الثلاثة.
وكثيرا ما كان الأصحاب يتنافسون ويتفاخرون فيما بينهم بحفظ هذا الاقتباس أو ذاك عن لسان "مستر مياغي" وطرقه غير التقليدية في تدريب الفتى "دانيال"، وتقوية بنيته البدنية الضعيفة، وإكسابه مهارات القتال المحكمة وصولا إلى انتصاره في نهاية المطاف على خصومه "المتنمّرين" ومدربهم "الشرير".
"بُني دانيال، الكاراتيه هنا (مشيرا إلى رأسه)، الكاراتيه هنا (مشيرا إلى صدره/ قلبه)، الكراتيه لا تكون إطلاقا هنا (مشيرا إلى بطنه/ خواصره)، هل تفهم بُني دانيال"؟.
"ضع الشمع باليد اليمنى (شمع تلميع السيارات)، أزل الشمع باليد اليسرى.. ضع الشمع.. أزل الشمع (في حركة دائرية متكررة).. استنشق الهواء من أنفك.. وأخرج الهواء من فمك"!
وفي عام 2010 قامت "هولييود" بنبش إرث فيلم "فتى الكاراتيه"، وإنتاج نسخة محدّثة بجرعة دعائية أكثف وأكثر فجاجة موجّهة ضد الصين، حلّ فيها "الكونغ فو" محل "الكاراتيه"، بطولة "جيدن" ابن النجم "ويل سميث"، وبطل أفلام القتال المحبوب وذائع الشهرة "جاكي شان".
ولكن هذه كلها أفلام في أفلام، ثيمتها الأولى والأخيرة تمجيد "البطل" الأميركي (المستهدف من كلّ العالم)، حتى وإن كانت أميركا ليست من الدول المعروفة بتفوقها في رياضة الكاراتيه.
أمّا نحن في الأردن، في العام 2023، فلدينا فتيا كاراتيه وليس فتى واحد: البطل "عبد الرحمن المصاطفة"، والبطل "محمد الجعفري".. وسائر أبطال وبطلات منتخبنا الوطني.
ولكن الفرق هنا أنّ أبطالنا ليسوا مجرد شخصيات سينمائية خيالية، بل بشر حقيقيون من شحم ولحم.
وبطولة أبطالنا ليست مجرد حبكة هوليوودية يتلاعب بها المؤلف والمخرج والمنتج والرعاة كما يحلو لهم، بل هي بطولة حقيقية ثمرة جد واجتهاد وتعب وعرق ومواظبة والتزام.
إنجازات منتخبنا الوطني للكاراتيه في السنتين الأخيرتين عربيا وآسيويا وعالميا ليست فقط مفخرة وطنية، وليست فقط مؤشرا على الطاقات والمواهب الكبيرة التي يزخر بها المجتمع الأردني وتنتظر من يكتشفها ويرعاها، بل هي أيضا دليل حيّ على ما يمكن تحقيقه إذا ما عدنا إلى السياسة التي افتقدها الأردن على جميع الأصعدة منذ عشرين سنة: وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، واعتماد معيار الجدارة والجدارة فقط عند المفاضلة والاختيار.
إنجازات أبطالنا وبطلاتنا في الكراتيه تذكّرنا بالفرحة الكبيرة والآمال الأكبر التي بناها الأردنيون على رياضة "التيكواندو" من خلال أبطالنا الأولومبيين "إحسان أبو شيخة" و"سامر كمال" (برونزيتي سيؤول 1988)، و"فهد عمّار" (برونزية برشلونة 1992)، و"محمد أبو غوش" (ذهبية ريو دي جانيرو 2016).
وعشمنا أن يكون حظ أبطالنا في الكاراتيه أفضل من حظ أبطالنا في التيكواندو، الذين نتذكرهم كشهب رائعة لمعت في سماء الوطن لبرهة، دون أن ينجح المسؤولون وصانعو القرار في استثمار تلك الإنجازات لتأسيس حالة إبداع وتفوّق وحضور مستدامة.
مرة أخرى، إنجازات منتخبنا الوطني للكاراتيه هي درس لكل أجهزة الدولة والقائمين عليها، قبل أن تكون أحداث سعيدة نفرح بها ونتفاعل معها ثم تنقضي.
بقي أن نتوجه جميعا برسالة حب وعرفان إلى "مستر مياغي" خاصتنا، مدرب منتخبنا الوطني للكاراتيه "محمد إبراهيم سالم"، ابن النيل الغالي، والذي لا ندري أيّ اللقبين أحبّ إلى قلبه: لقب "أبولو" الذي اشتهر به أيام مزاولته للكراتيه في أرض الكنانة مصر لسرعة هجومه، أم لقب "الأوركيستريتر" الذي أطلقه عليه اتحادنا للكاراتيه إظهارا للحفاوة والتقدير وردّ الفضل لأهله.
أبطال وبطلات منتخبنا الوطني للكاراتيه: شكرا جزيلا ملءَ قلب كل أردني وأردنية، وكل عربي وعربية!