منذ اليوم الأول للحرب السورية، فتح الأردن حدوده للأشقاء السوريين الفارين من جحيمها الذي خلف الدمار والقتل، واسكنهم أرضه في ظل إشادة دولية بهذا العمل الإنساني الكبير، وكان الآلاف من السوريين يعبرون الحدود يوميا الى الأراضي الأردنية التي هيأت لهم كل ما يمكن ليعشوا بكرامة وأمان، وتحمل في سبيل ذلك الكثير مما لم تحتمله دول كبرى ذات إمكانيات ضخمة.
واليوم يعيش على أرض الاردن ما يفوق المليون سوري منتشرين في كل المدن الأردنية مشكلين عبئا كبير على البنية التحية والاقتصاد الاردني والموارد المائية القليلة اصلا، والتي تقف الدولة السورية نفسها موقفا سلبيا في هذا الملف يتعلق بحصة الأردن من مياه سد الوحدة..
النداء الأردني الذي اطلقه امس رئيس الوزراء بشر خصاونة ممثلا لجلالة الملك عبد الله الثاني من روما اثناء انعقاد المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة يشكل تعبيرا حقيقيا لمعاناة الاردن من الثقل الذي ينوء به باحتضانه اللاجئين السوريين عندما أعلن رئيس الوزراء، ان الاردن أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم نسبة لعدد السكان، محذرا العالم من أن تجاهل احتياجات اللاجئين في جزء من العالم سيؤدي الى تفاقم ازمة الهجرة في جزء اخر، مما يتطلب مواصلة تكاتف المجتمع الدولي لمعالجة الآثار المترتبة على أزمات اللاجئين، مؤكدا على ان الاردن بامكانياته الضيقة استطاع توفير الحياة الكريمة للاجئين وتوفير الخدمات عندما تم تطبيق تقاسم الأعباء بين الدول المضيفة والمجتمع الدولي.
الاردن اليوم كما قال رئيس الوزراء بدأ يضغط عليه عبء استضافة اللاجئين وذلك لتراجع الدعم الدولي المقدم للاجئين السوريين تراجعا كبيرا حيث بلغ هذا العام اقل من ٧% وهذا شكل خطرا كبيرا على أمكانياته التي سخرها لخدمة هؤلاء اللاجئين الذين لا ذنب لهم في الازمة ،ولكن هل يرضى العالم وهل يتحمل الاردن ان تكون هذه مسؤوليته وحده في ضوء هذا الحمل الكبير الذي يفوق إمكانيات الاردن بكثير.
ان تراجع المساعدات التي يقدمها برنامج الغذاء الدولي للاجئين السوريين سيكون خطرا كبيرا على اللاجئين حيث ستتعمق معاناتهم أكثر فأكثر.
لقد وضع الاردن العالم امام مسؤولياته من خلال مؤتمر روما بصفته دولة من اكبر الدول استضافة للاجئين.
ان الأزمة السورية لازالت مستمرة وهذا يعني ان العالم لا يمكن له أن يدير ظهره لقضية اللاجئين ويترك الدول المستضيفة لهم وعلى رأسها الاردن تواجه الأزمة وحدها، وان صدقت توقعات الحكومة لدينا ان المساعدات الحالية للاحئين داخل مخيمات اللجوء السوري ستتوقف اعتبارا من تشرين الاول المقبل فهذا معناه ترك الاردن وحيدا في مواجهة الأزمة.
السؤال المهم في هذا الصدد أين دور الدول الغنية والكبرى في العالم في هذه القضية التي كان عددا كبيرا منها طرفا في الأزمة السورية قي الوقت الذي كان فيه الاردن منذ اليوم الأول لانفجارها ينادي ويحث على الحل السلمي لها قبل خروج الأمور عن السيطرة..والسؤال الاخر لماذا تقدم المليارات لأوكرانيا في مواجهة روسيا ولماذا تم استيعاب اللاجئين من اللاجئين الأوكرانيين بسرعة كبيرة في الدول الاوروبية دون أي مشكلة وتعقيدات في حين تترك المؤسسات الدولية المعنية قضية اللاجئين السوريين في أزمتها المالية.
في الخلاصة لن يستطيع الاردن ان يتحمل وحده هذه الظروف وعلى العالم أن لا يتركه وحيدا في مواجة الازمة لان المتطلبات تفوق امكاناته بكثير ولن يكون موضوع الاندماج خيار اردنيا مهما حدث كما ذكر امس رئيس الوزراء.
من جهة أخرى وفي ظل تراجع المؤسسات الدولية المعنية، من الواجب على الدول العربية أيضا أن لا تترك الاردن وحده حيث إمتص معظم ارتدادات الازمة السورية وشكل ولا يزال يشكل حاجز صد قوي بين انعكاسات الازمة ودول عربية كثيرة.
لقد كان نداء الاردن أمس من روما انذار مهم لكل من يهمه الأمر في العالم بأن لا يتخلى عن واجباته اتجاه قضية انسانية كبرى، التصدي لها يقع على عاتق الجميع.