بائع الخضار إذ يخلع الزعيم!
ماهر ابو طير
16-01-2011 02:56 AM
يتشرد رئيس الدولة في السماء ، من تونس الى مالطا ، ومن مالطا الى جزيرة سردينيا ، فترفضه الدول ، وتأبى باريس ان تستقبله.
زين العابدين بن علي ، طار ساعات في الهواء ، وهو يجري مفاوضات من اجل هبوط طائرته ، فلا يقبله احد ، لان لا احد مستعداً ان يحتمل كلفة ملاحقات القضاء الدولي او محاكمة الشعب التونسي لزعيمه السابق.
بائع الخضار الفقير محمد البوعزيزي ، الذي رحلت روحه ، انتقم اشد الانتقام من الرئيس الهارب ، ومن نظامه ، وقد قيل للبوعزيزي الذي كان يمتلك عربة لبيع الخضار ان عليه ان يتحرك من مكانه ويخليه ، فاحتج واحرق نفسه ، لان لا مورد للرزق له.
لعنة البوعزيزي ارتدت على الرئيس التونسي الهارب ، وها هو سر قدر الفقير ، فيتحرك زين العابدين من مكانه ، ويخلي موقعه ، وينتحر سياسياً وشعبياً بذات ما جرى مع الفقير محمد البوعزيزي.
للفقير قدر عند الله ، والفقير المضطهد له لعنة ، وكيف اذ يصبح الفقراء على ذات الغضب ، تتجمع هممهم وارواحهم على قرار واحد ، لعزل الظالم.
زين العابدين الذي اضطهد الشعب التونسي فمنع الحجاب ، ومنع دخول المساجد الا ببطاقة خاصة ، وغرق هو وبطانته بالفساد ، وجمع المليارات ، وجوع شعبه ، وتعامل معهم بفوقية ، وفتح السجون ، كان مصيره التشرد في السموات ، والهروب كأي جبان رعديد.
عقيلته الملقبة بحاكمة قرطاج فرت قبل ايام بكل اموالها وجواهرها ، وما سرقته من مال الشعب التونسي ، فلا بساط احمر ، ولا هتافات ، ولا احترام لها في حده الادنى.
يقول الرئيس الهارب في آخر خطاباته لشعبه التونسي: "انا فهمتكم". الرئيس احتاج الى ثلاثة وعشرين عاماً حتى يفهم شعبه ، فما بالنا باولئك القادة والحكام الذي لا يفهمون شعوبهم ، والذين يفهمون ويتظاهرون بأنهم لا يفهمون.
اين ذهبت بطانة السوء ، واين ذهبت الجيوش واجهزة القمع ، واين ذهبت العائلات الفاسدة المشاركة بالحكم ، واين ذهب الدعم الدولي ، وتقديم الخدمات المجانية السياسية والامنية لعواصم العالم. كلها تبددت في لحظة واحدة.
اخشى ما اخشاه ان يأتي لقطف ثمرة غضبة الشعب التونسي جلاد آخر ، او صنم آخر ، فتكون تضحيات الشعب التونسي قد تمت سرقتها ، او ان تذهب كل تونس الى فوضى لا تتوقف. هنا مربط الفرس والخوف الشديد على تونس.
عربة بائع الخضار محمد البوعزيزي لم تكن عربة عادية ، ولم يكن صاحبها عادياً ، واذ يقال انه انتحر احتجاجاً بحرق نفسه ، الا ان لهذا الرأي وجهاً آخر ، فقد قتلوه ونحروه بدم بارد ، فيما ارتدت روحه لتنحرهم وتحرقهم امام العالم.
شعب تونس في ثورته اعاد الروح الى العرب ، فقد كنا نوصف بالذل والهوان والسقوط على وجوهنا ، وقد احيا التوانسة في الروح العربية الكثير من القيم ، قيم الانتصار للفقراء ولحقوق الشعوب في الحياة الكريمة.
بائع الخضار كان بحق الرئيس التونسي الفعلي الذي قرر باسم كل التونسيين ، اشعال ثورة الغضب ، وهو يقول لكل واحد ان الاستهانة بحياة الفقير والمسكين والمعدم والمحتاج والمريض ، استهانة غبية.
.. وكم من بائع خضار وعربته ينتظر دوره في اشعال الثورات في دنيا العرب الغارقة بالمظالم،،.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)