إمبراطورية الألم التي لم تتوقف حتى بعد انهيار شركة (بيرديو فارما) وإعلان افلاسها عام 2019، واستمرار وباء تعاطي المواد الأفيونية في العبث وإحلال الدمار في المجتمعات، والتسبب في خلق أجيال مدمنة، وفقدان آلاف الأرواح في المجتمع الأميركي وجميع أنحاء العالم. ووسط هذا الكابوس يسلّط كل من كتاب «إمبراطورية الألم» للكاتب باتريك رادين والفيلم الوثائقي «كل الجمال والدم المراق» للمخرجة لورا بويتراس الضوء على الشبكات المعقدة التي تسعى لخداع الناس وكسب الأموال الطائلة على حساب صحتهم وحياتهم، مُختبئين خلف أقنعة الفن الراقي والإنسانية!
يكشف الكتاب عن تاريخ عائلة ساكلر وصعودها من خلال السيطرة على صناعة الأدوية بتملك شركة «بيورديو فارما» والترويج لدواء «أوكسيكونتن» المسبب للإدمان. وقد نجحت في الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء بصرف الدواء باعتباره دواء مسكناً للألم.
ويظهر الكاتب تفصيل طرق التسويق العدوانية التي اعتمدتها شركة «بيورديو فارما»، والتي سهلت وصول «أوكسيكونتين» لمتناول الأفراد وأخفت المعلومات حول تسببه بالإدمان، وباشر الأطباء بكتابة الوصفات الطبية للمرضى مما أدى إلى إدمان ملايين من البشر وارتفاع عدد الجرائم المرتبطة بالمواد المخدرة بشكل كبير.
لقد تبنّت عائلة ساكلر سياسة إعلانية شرسة ومراوغة من خلال التوجه إلى المستهلك «المريض» مباشرة لممارسة الضغط على الأطباء وصانعي السياسات من أجل تبني سياسة أكثر ليبرالية في وصف دواء «أوكسيكونتين» المخدر وجنت مليارات الدولارات من المال الأسود، وعملت على تبييضه من خلال التبرع السخي للمؤسسات غير الربحية متمثلة في أشهر المتاحف في العالم مثل اللوفر والمتروبوليتان وغوغنهايم.
ويعتقد الخبراء أن عدد الوفيات الناجمة عن تناول جرعات زائدة من المخدرات بما في ذلك «الأوكسيكونتين» يتجاوز الـ(70.000) حالة سنويا في الولايات المتحدة وحدها، وتشمل أفرادا من جميع الفئات العمرية والمجتمعات، بينما تذهب منظمة الصحة العالمي إلى أن عدد الوفيات الناتجة عن سوء استخدام الأدوية المسكنة قد يصل إلى نصف مليون وفاة سنويا، ويضيف الكتاب صوتا إنسانيّا يروي فيه حوادث لأشخاص فقدوا أحباءهم بسبب الإدمان أو أولئك الذين كانوا ضحية لتلاعب شركات الأدوية.
أما فيلم «كل الجمال وإراقة الدماء» الذي يروي السيرة الذاتية للمصورة الفوتوغرافية والناشطة الأميركية الشهيرة «نان غولدين» التي تحولت إلى مدمنة إثر اجراء عملية لالتهاب الوتر في الرسغ، وبُعيد تناولها لـ» اوكسيكونتين» كمسكن للألم! ونجحت نان في هزّ عرش عائلة ساكلر في حملات كبيرة شنتها ضدها وضد المتاحف والمؤسسات الفنية الأخرى التي ارتبطت باسمها واخضاعها للمساءلة والتي استخدمتها كغطاء، ونقلت مخرجة الفيلم للمشاهد تصورا سينمائيا لوباء المواد المخدرة، مستعرضة الأماكن والأشخاص المتأثرين بها والأوضاع المأساوية المترتبة على الإدمان في المجتمعات المتضررة، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها الجهات الرسمية والمجتمعية لمعالجة الأزمة. وغياب العدالة في الوصول إلى العلاج والرعاية الصحية للأفراد الذين يعانون من إدمان المواد المخدرة، وارتفاع ملحوظ في نسبة الجريمة بما فيها السطو والسطو المسلح، والتي يرتبط العديد منها بالاستخدام المفرط للمواد المخدرة والحاجة الملحة للحصول على الجرعات. ويسرد رادين كيف أن عصابات المخدرات المكسيكية ارتفعت مبيعاتها من الهرويين وعزا الأمر لارتباط وثيق بالزيادة الكبيرة في صرف المواد الأفيونية الموصوفة طبياً، فعندما لا يتمكن المدمنون من الحصول على دواء «أوكسكوينتين» فإنهم يتجهون لشراء «الهيرويين»!
حقيقة أن هذين العملين «إمبراطورية الألم»، و «كل الجمال واراقة الدماء» نجحا في فتح ملف أزمة المواد المخدرة، كما يوثق كلا العملين للأرقام المثيرة للقلق لضحايا هذه الظاهرة، ويوجهان صرخة للتدخل الفوري وتطبيق الإجراءات الفعالة لنتمكن لمواجهة الكارثة، وحماية الأجيال القادمة وبناء مستقبل أكثر إشراقاً.
(الغد)