أتجنب التعليق على النوايا والخلفيات التي تقف وراء كثير من المواقف والتعليقات التي تسعى إلى جعل الواقع الاقتصادي الراهن نقيضا للحياة السياسية القائمة في البلاد، ودليلا مزيفا على فشل الأحزاب في استقطاب الشباب نتيجة لانشغالهم بمشكلات الفقر والبطالة، وغياب الأمل بفرصة العمل المناسبة، وغير ذلك من إشارات توحي بأن قدرة الأحزاب أدنى بكثير من أن تحل أزمات بهذا الحجم!
لكني لا أتجنب التعليق على الأفكار التي تحملها رسائل من هذا النوع، وذلك في نطاق النقاش الموضوعي، والحوار الهادف إلى فهم الواقع الذي نعيش، والتغيير المتوقع في كيفية عرض ذلك الواقع من منطلق الحرص الوطني الصادق على الدولة ومواطنيها ومستقبل أجيالها، وأتقبل بالطبع كل قول أو نصح أو انتقاد هدفه لفت أنظار الأحزاب إلى المسؤوليات التي تتحملها، والواجبات التي ينبغي أن تنهض بها كأولويات إستراتيجية في برامجها الحزبية.
قلنا إن مفهوم الأحزاب البرامجية يفرض عليها أن ترسم خطتها بناء على إستراتيجية عامة تحدد نهجها كما لو أنها هي السلطة التنفيذية، وتضع العناوين العريضة لغاياتها وأهدافها وأولوياتها وخططها الإجرائية، ومن المنطقي أن تفرض الأولويات نفسها عندما يتعلق الأمر بأزمة اقتصادية بهذا الحجم والعمق، نتيجة ارتباطها بعوامل محلية يمكن التحكم بها، وخارجية لا نملك فيها حولا ولا قوة، والأمثلة فيها وعنها كثيرة، اكتوينا بها من الجوار القريب والبعيد ، وبعضها ما يزال قائما، وبعضها الآخر مرشح لما هو أسوأ بانتظار ما سيسفر عنه الصراع الدائر في أوكرانيا وما بعده !
رغيف الخبز عنوان مادي ومعنوي كبير للحياة الكريمة، وتحت ذلك العنوان تندرج مسائل الفقر والبطالة، وهي في حد ذاتها نتيجة للوضع الاقتصادي الراهن ولذلك فإن الأولويات تستهدف هذا الواقع بشموليته لحل تلك المسائل، وعلى هذا الأساس توضع الأولويات على شكل مبادئ يتمسك بها الحزب من أجل تبرير وجوده أصلا في الحياة السياسية، وفي خدمة المصالح العليا للدولة وشعبها.
فهل يمكن لأي حزب أن يخرج على الناس من دون أن يحمل مشروعا لتحسين مستوى معيشة المواطن ونوعيتها، والحد من البطالة والفقر، وحوكمة وترشيد القطاع العام، وتطوير شراكته مع القطاع الخاص، والتوجه الجدي نحو الاعتماد على الذات، والتركيز على التنمية الشاملة والمستدامة في المحافظات والبوادي، وتقليص الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل، وتعزيز الأمن والسلم المجتمعي؟!
في نهاية المطاف يفترض أن تعمل الأحزاب من أجل الرغيف، والرغيف هنا حق الناس في العيش الكريم، والكرامة الوطنية، وسلامة الغذاء، والحماية الاجتماعية والصحية، ولكن في المقابل يفترض أن يشارك في هذه المسيرة، ومن خلال الأحزاب كل (أصحاب المصالح) وفي مقدمتهم الشباب لتحقيق تلك الغايات، ولا بأس لو تكرم علينا المنتقدون عن بعد بعرض أفكارهم عن قرب!
(الغد)