الحديث الاخطر الذي يدور الان في كواليس الانظمة العربية هم هل ستنتقل العدوى التونسية الى مكان أخر ؟؟ وأين ؟؟
عندما قال الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي قصيدته المشهورة ( اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ) لم يكن في خلده وهو المتوفى عام 1934 أن تكون مقدمة قصيدته تلك نشيد الثورة الشعبية التونسية في العام 2011 , ولكنه كان يدرك بفطرته الانسانية الثورية في وقت مبكر من القرن الماضي وحين كان الاستعمار الفرنسي يطبق على تونس أن أرادة الشعوب ستنتفض ضد الظلم والقهر والفساد والقيود , وتلك سنة الحياة لمن يقرأ التاريخ.
واليوم يقدم الشعب التونسي الدرس العربي الاكثر بلاغة لكل حكم فاسد لطخ أياديه بدماء الشعب وفتح المعتقلات للأحرار والديمقراطيين وأطلق العنان لزمر الفساد في الاثراء على حساب الأمة , وسلم مقادير البلاد الاقتصادية لثلة من المغامرين ( الليبراليين ) الذين أنقضوا على مؤسسات الدولة بيعا ونهبا بالتعاون والتشارك مع الشركات الاجنبية الكبرى فوضعوا الوطن كله في قبضة الاجنبي , والى أمد قريب أسابيع قليلة مضت كان الاعلام التونسي يعج بصور الرئيس والشركات والمؤسسات تتبارى في تقديم التهاني للرئيس وللسيدة الاولى بمناسبة العام الميلادي الجديد ولم يكن في تصورهم أنه العام الاخير لهما في الحكم وأن دخول تونس أصبح محرما عليهما وعلى عائلتيهما الى الابد , ولكن الايام القادمة ستشهد ترحيبا بالتغيير وأبتهاجا برحيل الرئيس تعلنه نفس الشركات والمؤسسات , فيا لسخرية القدر وسرعة التغيير من حال الى حال.
وثق بن علي علاقته بفرنسا والولايات المتحدة على حد سواء , وبالغ في قمع الاسلاميين حتى المعتدلين منهم , ولم تترك قوات أمنه مسلمة محجبة الا وعرتها في الشارع العام , وباسم محاربة الاسلاميين قمع بن علي كل القوى الحية في الشعب التونسي , وباسم محاربة الاسلاميين غضت الولايات المتحدة وفرنسا الطرف عن ديكتاورية بغيضة وزانزن كريهة , ولكن ذلك لم يشفع لبن علي لدى الفرنسيين والامريكان , ولم تستطع تقاريرهم الاخبارية والاستخبارتية أن تتوقع حركة الشعب وانفجاره السريع , فكانوا أول من تنصل منه , فسارعت فرنسا الى رفض أستقباله فوق أراضيها , أما الرجل الاسود في البيت الابيض الامريكي فقال ( ان من حق الشعب التونسي أن يختار زعمائه ) وأشاد ( بشجاعة وكرامة الشعب التونسي ) ,, الان فقط من حق الشعب التونسي أختيار زعمائه ؟؟ لماذا لم يصرح البيت الابيض بهذا الكلام من قبل أم أنهم وشركاؤهم الفرنسيون كانوا يظنون تونس واحة للحرية والديمقراطية ؟؟
يثبت الغرب مرة تلو المرة أنه أول من يتنصل من السفينة الغارقة ,وأول من يتخلى عن حلفائه المنهزمين ,, فالمصالح أهم من الاشخاص .
ويثبت التاريخ والاحداث أن الشعب وحده القادر على حماية الحكام العادلين وحماية ودعم الحكم الرشيد و وأن الشعب وحده القادر على أقتلاع الحكم الذي يقمع الشعب ويكتم الانفاس طال الزمن أو قصر , وان محبة الشعب للحاكم والتفافه حوله هو الضمانة الوحيدة للأستمرار والتقدم وراحة الضمير , فلا أساطيل أمريكا وفرنسا , ولا مخابرات بريطانيا وحلف الاطلسي تستطيع أن تحمي طاغية يرفضه شعبه .
لم يكن أحد من المحيط الى الخليج يتوقع أن يكون الدرس من تونس الخضراء التي حول بن علي شوارعها الى حمراء
وقد حاول حاكم ليبيا أنقاذ صديقه وجاره ففتح الحدود للعمال التونسيين وللتجارة ظانا أن المسألة فقط مسألة فقراء عاطلين عن العمل وليست أيضا مسألة حرية وكرامة وبلد منهوب ,, فاذا كان بن علي قد حصل على حماية ليبية لأنقاذه من تونس فمن سينقذ المنقذ ؟؟