مبادلة عربية أميركية من جانب واحد
نقولا ناصر
15-01-2011 01:33 PM
يتضح من جولة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الأسبوع الماضي في أربع دول عربية أن الإدارة الأميركية لم تعد معنية بالربط بين الدعم العربي للولايات المتحدة في مواجهة إيران وبين الدعم الأميركي لل"معتدلين العرب" في تحريك "عملية السلام" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي كشرط مسبق لصفقة عربية – أميركية تقوم على أساسها أي جبهة أميركية – عربية – إسرائيلية ضد إيران.
ومن الواضح كذلك أن المفاوض العربي والفلسطيني الذي كان يشترط مثل هذه المبادلة لكي يوافق على انضمامه لجبهة كتلك لم يعد بدوره معنيا بتحقيق هذه المبادلة لكنه ما زال وفيا لاستحقاقاتها حتى بعد أن أعلنت إدارة الرئيس باراك أوباما فشلها في الوفاء باستحقاقاتها.
لقد كان "إصرار" معسكر "الاعتدال والسلام" العربي على الربط بين الحل في فلسطين وبين الحل في إيران هو الأساس لإبرام تلك الصفقة، غير أن الجبهة العربية – الأميركية ضد إيران تتعزز بالرغم من أن الصفقة لم تعد قائمة.
فهذه "الصفقة" العربية – الأميركية الاستراتيجية قد انهارت على صخرة الفشل الأميركي في انتزاع استحقاقاتها الإسرائيلية، لكن الجانب العربي ما زال وفيا لاستحقاقاتها بفضل النجاح الأميركي في استخدام الفزاعة "النووية" الإيرانية ل"إقناعه" باستمرار وفائه بالتزاماتها، دون أي وفاء أميركي مقابل، بحجة أن "الخطر الإيراني" أكثر تهديدا من "الخطر الإسرائيلي" وبالتالي يجب أن يحظى بالأولوية الدفاعية العربية.
وهذه على وجه التحديد هي استراتيجية دولة الاحتلال الإسرائيلي وحكومتها الحالية التي أصرت، ونجحت كما تشير كل الدلائل، في "حوارها" مع إدارة أوباما على أن أي حل "فلسطيني – إسرائيلي" يجب أن ينتظر حل المشكلة الإيرانية أولا وأن يظل مرتهنا لهذه المشكلة حتى تجد حلا أميركيا – إسرائيليا لها.
وهذا تراجع عربي أيضا، وليس تراجعا أميركيا فقط. ففي ضوء عدم تغير موقف المفاوض العربي والفلسطيني لا من إيران، ولا من الولايات المتحدة، بالرغم من خذلان الراعي والشريك الأميركي في "عملية السلام" له و"خيبة أمله" منه التي عبر عنها علنا "الرئيس" الفلسطيني محمود عباس، فإن الرسالة التي يبعثها هذا المفاوض اليوم لواشنطن وطهران معا ما زالت هي نفسها كما أعلنها عباس نفسه أيضا قبل أن تنهار صفقة المبادلة العربية الأميركية عندما زارته الوزيرة كلينتون برام الله في آذار / مارس عام 2009 فقال: "إننا نبعث برسالة إلى الإيرانيين، وغيرهم: توقفوا عن التدخل في شؤوننا".
وجولة كلينتون هذه هي الثالثة لها لدول الخليج العربية خلال أشهر، دون مثيل لها في الدول العربية المعنية مباشرة ب"عملية السلام العربية الإسرائيلية"، في مؤشر لا يخطئه المراقب إلى أن هذه العملية لم تعد أولوية في السياسية الخارجية الأميركية، وأن أي "تحريك" لها عليه أن ينتظر أولا انتهاء الإدارة الأميركية من الملف الإيراني باعتباره الأولوية الإقليمية الأولى والأخيرة للولايات المتحدة.
وإذا كانت الاستراتيجية الأميركية وتصريحات كلينتون خلال جولتها واضحة في رص الصفوف العربية في مواجهة إيران وفي تفريق هذه الصفوف في أي مواجهة حتى لو كانت دبلوماسية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإنها حاولت أن تموه أي علاقة بين جولتها الأخيرة وبين القمة الاقتصادية العربية في مصر، واجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في الإمارات العربية المتحدة، واجتماع مجلس أمن الأمم المتحدة حيث من المتوقع أن تعرض المجموعة العربية مشروع قرار من منظمة التحرير الفلسطينية لا يقف عقبة أمام تمريره سوى حق النقض "الفيتو" الأميركي موحية بأن إدارتها غير معنية باللقاءات الثلاث التي تعول عليها منظمة التحرير وجامعة الدول العربية، أو أنها مستهترة بها وبأي قرارات قد تصدر عنها، أو بأنها واثقة من قدرتها على أن "تصنع" اي قرارات قد تصدر عنها أو تجهضها أو تفرغها من أي مضمون عربي لها.
ومثلما أوحت كلينتون في كانون الأول / ديسمبر الماضي بأنها زارت البحرين حبا في "الحوار" للمشاركة في "منتدى الحوار" الأمني، فإنها أوحت خلال جولتها الأسبوع الماضي في الإمارات العربية وقطر وسلطنة عمان واليمن (وزيارتها لصنعاء كانت الأولى لأي وزير خارجية أميركي خلال العشرين عاما المنصرمة) إنما كانت نشاطا على هامش مشاركتها في "منتدى المستقبل" في العاصمة القطرية بسبب اهتمامها بتشجيع المرأة والشباب و"المجتمع المدني" العرب، كما أعلنت، ولا علاقة له باللقاءات الثلاث يوم الأربعاء المقبل في شرم الشيخ وأبو ظبي ونيويورك.
غير أن "الهدف من وراء جولتها هو تعزيز الدعم العربي للأهداف الأميركية الرئيسية في المنطقة ومنها إنشاء جبهة رادعة ضد النفوذ الإيراني المتنامي" كما قالت الواشنطن بوست.
لقد قامت كلينتون بجولتها الأخيرة عشية ثلاث لقاءات هامة، عربية وإسلامية ودولية في التاسع عشر من الشهر الجاري، وصرحت خلالها أنه "يجب" على الدول العربية أن "تفعل كل ما في وسعها" لتشديد عقوباتها ورص صفوفها ضد إيران، لكنها كررت دعوة إدارتها إلى "التفاوض المباشر" بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وبين منظمة التحرير الفلسطينية، وبينما حثت كل دولة عربية على أن "تفتح سفارة" لها في بغداد وتقيم "علاقات طبيعية" معها و"تدعو وتتشاور" مع قادتها والعراق ما زال تحت الاحتلال الأميركي، فإنها أعلنت معارضتها لأي تبادل للسفارات في سياق أي اعتراف بدولة فلسطينية خارج التفاوض الثنائي المباشر مع دولة الاحتلال، لكنها تعهدت بدعم بناء مؤسسات دولة فلسطينية تحت الاحتلال وحثت الحكومات العربية على تمويل سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية تحت الاحتلال.
ودون أي انتقاص من أهمية أي اعتراف دولي ولو بجزء من الحقوق الوطنية الفلسطينية حتى ضمن حدود الأراضي المحتلة عام 1967، فإن اعترافات بعض دول أميركا اللاتينية وغيرها من الاعترافات المتوقعة أو المأمولة الأخرى يستخدمها المفاوض الفلسطيني كمكسب تكتيكي لا يوجد أي أمل في أي ترجمة عملية له على الأرض من أجل التغطية على هذا التراجع العربي – الأميركي عن صفقة مشتركة كانت مرفوضة شعبيا حتى قبل انهيارها.
nicolanasser@yahoo.com*