نهنىء الحكومة على انجازها "الحضاري" الكبير، لاقناعها لجنة التوجيه الوطني النيابية، بإضافة عبارة: "مع مراعاة أحكام التشريعات النافذة، لا يجوز حبس أو توقيف" الصحافيين في قضايا المطبوعات، على مشروع القانون الجديد!وهي تستحق التهنئة، لأنها تحافظ على التخلف التشريعي وتحرسه جيدا، ولأنها لا ترى في الصحافيين أكثر من مشاغبين محتملين، يجب زجهم في غياهب السجون لأنهم يرتكبون تهمة الكتابة، ولأنها لا تريد الصحافة أكثر من وسيلة لترويج سياسات الحكومة، ومكرماتها التي بلغت أوجها في رمضان الماضي، حين وزعت الخبز على الفقراء في الغور الشمالي!
"حكومة عصرية" فعلا، ترفع السجن عقوبةً في وجه الصحافيين، لكي لا يعرف الناس شيئا، ولكي تظل الحقيقة غائبة، ما دام الأردنيين لا يستحقون صحافة حرة ومستقلة، تفضح الفساد والقمع، والاستهتار بحقوق الناس الدستورية والانسانية!
الصحافيون الذين كانوا يطالبون طوال العقود الماضية بعبارة "على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر، لا يجوز الحبس أو التوقيف في قضايا المطبوعات" لا بدّ أنهم كانوا يخططون لمؤامرات تستهدف البلاد، ولا وسائل لاحباطها سوى بتغليظ قانون الحبس والغرامات عليهم، ليكونوا صحافيين من طراز حكومي رفيع، يلبون نداء الحكومة حين تحتاجهم بسرعة، ويتلذذون بالنيل من خصومها، بوصفهم بـ"الحاقدين والجاحدين والمشككين".. لكي يتعيّنوا "مستشارين" ويحصلوا على منح ورواتب ومنازل، وعيديات حكومية مجزية!
قانون مفصّل من أجل مجموعة قليلة من الصحافيين المستقلين، تخيطه الحكومة على مقاس بلاد تنتمي للقرون الوسطى، وتهديه لمستقبل معتم، يجلس فيه الصحافيون خلف القضبان، لأنهم يقومون بمهنتهم!
قانون متوقع من حكومة تمنع الناس من الصلاة في مجمع النقابات، ومن الاعتصام، وتحظر الكتب والمواقع الإخبارية، وتسنّ القوانين القديمة!
فبأيّ وهمٍ توقع الصحافيون أن تقدم الحكومة قانونا، يحترم بلادنا وناسها ونخبها، وبأيّ وجعٍ سنظل نتراجع إلى الوراء، ونهزأ بالحياة وبالإنسان؟!
ومن ضروب الضحك بنواجذ سوداء، أن تؤكد الحكومة أن القانون "يحترم الدستور" وكأن وأد الأفكار، ودفن الحقيقة بندان في الدستور؟!
ومن ضروب الأسى والسخرية أن يشدد الناطق الرسمي على أن "التعديلات على القانون تهدف إلى تعزيز الحريات الصحافية" ليضعنا أمام مراجعة واجبها لمفهوم الحكومة "للحريات" و"للصحافة" .. و"للحياة" نفسها!