باحثون: عدة تغيرات جرت على أفكار الحركات الإسلامية ما بعد الربيع العربي
23-07-2023 09:42 AM
عمون - قال باحثون وكتاب أردنيون، خلال جلسة مناقشة كتاب، اليوم السبت، إنّ هناك "تحولات جوهرية طرأت على المنطلقات الفكرية في تعامل الحركات الإسلامية مع التحولات التي أعقبت الربيع العربي في الأردن".
جاء هذا خلال مناقشة مؤسسة "فريدريش إيبرت" في الأردن كتاب "الإسلاميون في الأردن: الدين والدولة والمجتمع"، الذي يناقش عدة قراءات معمقة لمسارات تطور الحركات الإسلامية في البلاد.
ويتناول الكتاب الذي كتبه ثلاثة من أبرز الباحثين في هذا المجال (الدكتور محمد أبو رمان، وحسن أبو هنية، وعبد الله الطائي) الحركات والجماعات الإسلامية الرئيسية (الإخوان المسلمون، السلفيون التقليديون والجهاديون، حزب التحرير الإسلامي، أحزاب ما بعد الإسلام السياسي)، من خلال مفاهيم وأطر نظرية جديدة، تركز على الأدوار والمهمّات الاجتماعية والثقافية للحركات الإسلامية، ومفهوم الإسلام السياسي.
ويناقش الكتاب المدارس الأيديولوجية والفكرية المختلفة، ونظريات وفرضيات عديدة سادت في حقل دراسات الإسلاميين، مثل مقاربة العلاقة بين السياسات شبه السلطوية والأيديولوجيا الإسلامية، أو مقاربة الاعتدال والإدماج والإقصاء والتطرّف، ومراجعة المناهج المستخدمة في العلوم الاجتماعية.
وركّز الكتاب على تحولات وتطورات جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي في مرحلة ما بعد الربيع العربي، ورصد ما تعرضت له جماعة الإخوان المسلمين من انشقاقات في مرحلة ما بعد عام 2011، على غرار خروج قيادات مهمة وفاعلة، وحظر الجماعة قانونياً، وتأسيس جمعية جديدة باسم جماعة الإخوان المسلمين، لسحب البساط القانوني والسياسي من الجماعة الأم.
وبالإضافة إلى الأخوان المسلمين، سلط الكتاب الضوء على التيار السلفيّ الجهاديّ الذي شكل أحد أكبر التحديات الأمنيّة الداخليّة منذ تشكلاته الأولى في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وتطرق إلى تأثير الحرب في سورية على التيار وتأسيس جبهة النصرة في العام 2012، وتمكنها من استقطاب أعداد كبيرة من الأردنيين، من أبناء التيار ومن خارجه، من المتعاطفين مع القضية السورية، من خلفيات متنوعة.
ولم يغفل الكتاب سمات البيئة السياسيّة المحيطة بالحركات الإسلامية في الأردن، من تعامل أمني إلى الاحتواء والتوظيف، ومن العوامل البارزة الجيوسياسية كالعامل الإسرائيلي، المؤثر بصورة ملموسة على السياسات، مبيناً أنّ وجود إسرائيل على الحدود الأردنية، مع ما تحمله القضية الفلسطينية من ثقل رمزي وسياسي واستراتيجي وجغرافي ديمغرافي، ولّد العديد من السمات والخصائص للسياسات الأردنية، إضافةً إلى تأثيرات القوى السياسية الخارجية.
وقال وزير الثقافة الأسبق والباحث والخبير في الحركات والجماعات الإسلامية محمد أبو رمان، خلال الجلسة النقاشية الأولى عن العلاقة الجدلية بين الدين والدولة والمجتمع في الأردن، إنّ "الربيع العربي زلزل السلطات والحركات الإسلامية، ولم يكن سحابة صيف عابرة، وخلق حالة من القبول لمواقف سياسية كانت مستبعدة سابقاً".
وبحسب أبو رمان، فإنه خلال الفترة الأخيرة مالت الحركات الإسلامية إلى الواقعية والتأسيس، والابتعاد عن الخطاب الأيديولوجي.
واشار الوزير السابق إلى أن الحركات الإسلامية دفعت ثمناً أكبر عند المشاركة بالسلطة مقارنة بوجودها في المعارضة، موضحاً أن أيديولوجيات هذه الحركات كان ينظر إليها كمتغير مستقل، لكن في الحقيقة هي متغير تابع لعلاقتها مع السلطة.
وأضاف: "نحن بحاجة إلى مراجعة جذرية لطريقة التعامل مع الإسلام السياسي، كما وإلى مراجعة جذرية في التعامل مع المصطلح ذاته"، مشيراً إلى أن علاقة السلطة بالحركة الإسلامية مبنية على حسابات سياسية وأمنية وليست قانونية أو مواد منبثقة من الدستور.
ويرى الباحث أن التأثير اليوم لم يعد مرتبطا بالنزول إلى الشارع، بل من الممكن استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، فالكثير من الشباب يميلون إلى الفردية واتخاذ المواقف بعيداَ عن الالتزام ضمن أطر المجموعات السياسية.
وفي السياق ذاته، قال الباحث في الجماعات الإسلامية عبدالله الطائي، إنّ الكتاب يمثل مراجعة لحقل الإسلام السياسي بعد 10 سنوات من الربيع العربي، والتي تأثر بها الأردن، لافتاً إلى أن هذه الفترة شهدت حالة من عدم الثقة المتبادلة بين الحركة والسلطة.
ويعتقد الباحث أن علاقة السلطة مع الإخوان المسلمين وصلت إلى الأزمة المستدامة، مشيراً إلى أن الحركة شهدت عدة انشقاقات في السنوات الاخيرة، كحزب المؤتمر الوطني "زمزم" وحزب الشراكة والإنقاذ.
من جهته، قال الباحث في علم الاجتماع السياسي محمد الأمين عساف، إنّ هذا العصر تغلب عليه فكرة الهروب من الأطر الجماعية، فالتنظيمات اليوم لم تعد تستطيع محاكاة ما يريده الجيل الشاب، الذي يشكل على الأقل 60 بالمائة من المجتمع الأردني.
وأشار إلى أنه خلال الربيع العربي كانت وسائل التواصل الاجتماعي فاعلاً أولياً مهماً، ولو جرى التعامل مع الأفكار من خلال هرمية التنظيمات المؤسسية لأُعدمت الفكرة.
وفي الجلسة الثانية التي تناولت التكيف الإسلامي الأردني وسط ديناميكيات الأزمات، أوضح الباحث والخبير في الحركات الإسلامية حسن أبو هنية، أن استخدام مصطلح الإسلام السياسي يواجه أحياناً بنقد، لافتاً إلى أن النظرة الغربية ترى في الإسلام حركة جامدة، وتنظر بعين واحدة للحركات الإسلامية والمسلمين، رغم الاختلاف بينها في الواقع.
وعرج الباحث على مفهوم السلفية، مشيراً إلى أنه رغم أن المنطلق واحد للحركات السلفية، إلا أنّ هناك اختلافاً في ما بينها في تقييم الواقع، وكذا في نظرتها للتعامل مع التطورات التي يشهدها العالم، فـ"كما أن هناك سلفية جهادية، هناك سلفية هادئة، إضافة إلى السلفية الإصلاحية السياسية".
بدوره، تساءل الكاتب والباحث في الدراسات الإسلامية غيث القضاة: "هل يصح أنّ نسمي بعض الأحزاب الأردنية كالشراكة والإنقاذ أو ائتلاف (زمزم) بالإسلام السياسي؟"، معتبراً أن الجهة الوحيدة في الأردن التي يمكن إطلاق مصطلح الإسلام السياسي عليها هي جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي، وهذه الحركة بدأت تُغير حتى ولو شيئاً قليلاً من أدبياتها وخطابها.
ورأى أن تغير الخطاب جاء بشكل أساسي نتيجة ضغوطات خارجية وليس نتيجة صراع أفكار داخلي، مضيفاً أن نجاح أي حزب سياسي يجب أن ينطلق من حاضنة مجتمعية.
وتحفظت الباحثة في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بنان ملكاوي، على استخدام مصطلح ما بعد الإسلام السياسي، فالمصطلح "يعني الانقطاع عن السابق، لكن الحقيقة هي تطور لما هو موجود، فالتطوير يعني الثبات على الأهداف، والمرونة في آلية تطبيقها والوصول إليها"، كما قالت.
العربي الجديد-أنور الزيادات