تعتبر الدبكة الأردنية مظهراً من مظاهر الفرح الشعبي والوطني؛ فعندما نتزوج ندبك وعندما ننجح بالانتخابات ندبك وعندما يسطّر نشامى الوطن فوزا كرويا رائعا كما فعلوا بقطر ندبك لعيون الوطن وعيونهم وعند رخص الأسعار ندبك كذلك, فأشكال الفرح كثيرة وسهلة الوصول اليها لمن أراد الفرح, وأذكر أننا أيضا كنا بدبك بأي حصة فراغ عندما كان يغيب الأستاذ. أما من يبحث عن الحزن والنكد فسيجده طبعاً وما أسهله أيضا! فهو بنفس نسبة الفرح تقريبا حسب نظرية نصف الكأس الملوءة أو الفارغة, فلكل شىء وجهان ولك أن ترى الوجه الذي تريد.
ما دفعني لكتابة هذا الموضوع هو محاولة مني لتوثيق هذا الفلكلور حيث أن التحديث وصل الى الدبكة وأصبحت شكلا واحد لا تحيد عنه وهو ( الدبكة الشمالية) وحلت الفوضى فيها بدل النظام, فبعد أن كان جميع من في الدبكة يأتمرون بقائد واحد يحمل خيزرانته ويمارس مهاراته العديدة أمام الدبيكة, أصبحت كل (تيان بتينه) يتظاهرون بأنهم جميعا ولكن قلوبهم شتى. وبعد أن كان يُطرد من كان بعمرنا زمان اذا حاول ان يشبك بالدبكة لصغر سنة رغم انه تجاوز الخامسة عشر أصبحت الدبكة (خلطبيطه). وزاد الطين بلة في بعض الفرق المشهورة التي كنا نتمايل على ايقاعها, دخول ضارب الطبل الذي يحاول أن يشد الأنظار لمهارته وهو يلف و يدور ويقوم ويقعد, وكذلك إدخال المطربين والآلات الموسيقية, وهنا يصبح السيد ضارب الطبل والمغني محط الاهتمام وليست الفرقة نفسها. هذا كله عبث بالفلكلور الشعبي الأردني. وحسب معلوماتي أن فرقة معان ما زالت محافظة على تراثها وربما يكون هذا سببه وجود ابو خالد أمد الله في عمره, ولا أدري أن كنت مصيبا أم مخطئا, ولا أدري كذلك ان كان حالها سيتغير بعد أن يتقاعد ابو خالد من قيادة هذه الفرقة الوطنية التي ما عادت لمعان فقط, بل أصبحت للأردن كله وتمثله باحتفالات الدول الصديقة كما حدث بسلطنة عمان عندما شاركت بمهرجان الخريف بصلاله ونالت اعجاب من شاهدها. يحز في النفس أن تظهر فرقة عريقة كفرقة الرمثا ببرنامج وطني كيسعد صباحك أو باحتفال رسمي ينقله التلفزيون وهم يلبسون القمصان الخضرا ويتمايلون على ضربات ضارب الطبل فقط دون أن نرى فناً الا ترديداً لأغاني المطرب كفرقة للكورس. أين نحن من دبكة فرقة الرمثا أيام زمان عندما كان يهتز المسرح تحت ضربات أقدامها؟
للدبكة الأردنية أشكال عديدة سأحاول أن أعرض لها من واقع خبرتي ومما كنت أشاهد ايام الصبا, فالذكريات كثيرة في هذا المجال. وتتلخص هذه الأشكال تبعاً للمناطق التي أتت منها هذه الفرق الى ما يلي:
أولاً: الدبكة التقليدية وهي الأساسية طبعا. تتشكل هذه الدبكة من عدة أشخاص يلتفون بحلقة على شكل نصف دائرة, يقودهم شخص يقال له (القايد) وهو ذو سمعة وصيت, وربما كان قادة الدبكات ذوي مراتب يعرفونها بينهم حيث كنت الاحظ أن احدهم واثناء قيادة للدبكة يتنازل لآخر عندما يحضر متأخرا فيكرمة الأخير بأن يرفض ذلك ويشير اليه أن يكمل شوطه, ثم يستلم إدارة الدبكة بالشوط الثاني. وللقايد تعليمات صارمة أثناء الدبكة فهو لا يقبل أن (يخربط) الدبكة أحد, ويقول لمن لا يعرف الدبكة (اطلع برا) فيخرج عديم الخبرة. وكان يتوسط الدبكة عازف الشبابة أو الناي أو المجوز يمهد للدبكة بلحن لأغنية ريفية معروفة ثم يقترب رويدا رويدا حتى يصل الى شخص معروف بأغنياته وبصوته الجميل, فيصدح هذا بأحلى الأغاني , وتكون الأغنية على مرحلتين يفصل بينهما صوت القائد بأمر ( ثلاث سريييييع) فيضرب الدبّيكة أرجلهم على الأرض ويتمايلون استعدادا للمرحلة الثانية الجدية بالدبكة بعد الجزء الثاني من ألأغنية , وهذا يمثل مرحلة التسخين للدبكة.ثم يعطي القائد أوامرة بالتشبيك حيث كان محظورا عند بعض القادة ووضع اليد في اليد فهذا يدل على استهانه بالدبكة عندهم, ويكون التشبيك طبعا بأن يضع كل منهم يده على كتف جاره ويترك القائد محله ليتأكد من أن الأمور تمام ويعطيهم فكرة عن نوع الدبكة التي سيدبكون, ثم يهدر صوته يثلاث سريع ثم النوع الذي يريد لتتمايل الشباب على مهارات القايد وهو يذهب من اقصى الدبكه الى أقصاها دبيكا مشجعاً ملاحظاً كل حركة. بالمناسبة ربما يظن ألبعض انني أبالغ بهذا ولكن هذا هو الحال دون زيادة أو نقصان. هناك قاسم مشترك بين عازف الشبابة والقايد وهو التدلل بداية الأمر, حيث يحضر كل منهم متأخرا ولا يشارك الا اذا طُلب منه ذلك, حيث يدعي بأنه مريض و(مش قادر) و(مش جاي على باله) وهو في حقيقة الأمر يرقص فرحا من داخلة, إلا أنه يخضع لرغبات الجماهير وعندها ترى منه ما يسر خاطرك من فنون. وتتلخص أشكال الدبكات بهذا النوع بالأشكال التالية:
1) الدبكة الشمالية وهذه التي بقيت لنا من كل الأنواع, وهي بالمناسبة دبكة كل الأعمار ويفضلها أصحاب الأعذار كذلك فهي دبكة الختيار والشاب الذي يحب الراحة, و دبكة الجاهل بأمور الدبكة مع الاحترام لهم جميعا. وهذه الدبكة لا تحتاج الى جهد حيث يميل الدبّيكة مرتين على جنب ثم يضربون الأرض بأرجلهم الشمالية ضربة واحدة. وربما يكون سبب انتشار هذا النوع هو الفضائيات حيث انه أيضا منتشرة ببعض البلدان وخاصة لبنان, وهي أيضا دبكة (الستات) تدبكها على أنغام مطرب ما.
2) دبكة الأيوبا: وهي تختلف عن الدبكة الشمالية بكونها تعتمد على ضرب الأرض بكلتا القدمين مرتين متلاحقتين وواحدة أخرى برجل واحدة وهي تحتاج الى القوة اذ كلما اشتد الحماس بالدبيكة كلما اشتد الضرب على الأرض ولهذا فهي دبكة الشباب ولا تلائم الختيارية.
وهناك أصناف من الدبكة تتطلب القفز بالهواء وهي:
3) التكسي أو الخمسة ولا أدري لمذا أسموها بالتكسي. وهذه عبارة عن قفزتين بالهواء ثم النزول على الأرض بايقاع سريع متواصل.
4) الوحدة ونص وهي القفز بالهواء مرتين كذلك ثم النزول على الأرض بنفس الإيقاع مقسوما على فترتين ؛ يعني ايقاع فاصل وايقاع ثم القفز ثانية ما اجل الإعادة.
5) دبكة الثنتين وخمس وهي الواحده ونص مجموعة مع التاكسي بعد القفز مرتين بالهواء.
6) العشرة وهذه مستحدثة باواخر السبيعينات, وهي عبارة على القفز بالهواء مرارا مع تبادل الأقدام كالمشي بنفس المكان وتكون على انغام أغنية حماسية مشهورة يغنيها الدبيكة ثم يتبعونها ضرب الأقدام عشرا بشكل متلاحق او التصفيق باليد, وهذه تحتاج الى الانتباه لحركة القايد حتى لا يصبح الدبّيك نشازا فيرمقه القايد بنظرة زعل.
ثانياً: الجوفية وهذه يصطف فيها المشاركون صفين متقابلين وتتم بتحريك القدم الى الخلف ثم التقدم الى الأمام وضرب الرجل مرة واحدة فقط وهكذا, وهذه أيضا لها قائد, وهو الذي يقود الغناء مع صفه هو وان كان يتحرك للصف الأخر بعض المرات من باب التشجيع والتواضع. وهذه طبعاً تقوم على الغناء بلحن يعرفه أهل الشمال بالأردن وهو لحن ابو رشيدة حيث يبدأ مطلعها
يابو رشيدة قلبنا اليوم مجروح
جرح غميق وبالحشا مستظله
الى آخر الأغنية المشهورة
أو
ظليت أصوّت واضرب الباب بالسيف
عييو يا بابي هالك لا يفتحولي
الى آخر الأغنية
ثالثاً: الدحية وهي مشهورة بالجنوب وبالبادية وهي صف واحد فقط ينقسم الى مجموعتين بنفس الصف حيث تردد المجموعة الثانية ما تقوله المجموعة الأولى مع التصفيق باليدين, ويثير الحماس فيهم رجل أو أثنان متقابلان يتحركون بحركات حماسية ويحركون عباءاتهم بحركات تشجيعية, وربما تكون أمراة واحدة تضع البرقع بحيث لا تعرف من هي تحوشي بالسيف وتتحرك بطريقة فروسية. والأغنية المشهورة لهذه تبدأ دائما ب
هلا وهلا بيك يا هلا
لا يا حليفة يا ولد
وبعد الانتهاء من الأغنية يتسارع ايقاع التصفيق وهو يرددون (دحي دحي دحي) ويحمسهم من كان يحوشي وهو اكثرهم انفعالا وشدة ينظر يمنة ويسرة الى ان يهجموا عليه بصوت عال محاولين الإمساك به بمرح.
رابعاً: وحتى لا اجد مقالي بويكيلكس بعد عشرين عاما يتناولها بالتحليل حفيد مندوب قناة الحصيرة أشير الى نوع من الدحية التي جاءتنا من فلسطين الحبيبة فك الله أسرها. وهذه الدحية تتكون كما شاهدت على اليوتيوب من صف يتوسطه شخص ذو صوت قوي( وغالبا ما يكون اسمه أبو العبد) يغني فيردوا عليه, و الأغنية المشهورة لهذه الدحية الفلسطينية هي
يا حلالي يا مالي يا ربعي ردوا عليه
الله يمسيكم بالخير ضيوف مع محلية
والجميع يضرب الكف بالكف, وكلما فتر حماس الشباب يعلوا صوت المغني
اضرب الكف خليه يلتف
الكف عمار الدحية
ولا بأس من ذكر أسماء بعض الشيوخ أو المخاتير الجالسين من ضمن الدحية كنوع من التكريم لهم طبعا.
خامساً: وهناك نوع من الدبكة يشترك فيه الشباب والصبايا جنباً الى جنب وهو ما يسمى (بالحبل مودع), وهذا مشهور ببعض المناطق الأردنية وليس جميعها. وحتى لا تذهب بالبعض الظنون فيظنوا الأمور (سايبة) أؤكد أن هذا النوع عادة ما يكون بين افرا د العائلة الواحدة, وكلها كما يقول المثل هم ( آخي وابن آخي) وطبعا لا أتحدث عن الحلال والحرام هنا.
وفي الختام لا بد من الإشارة الى الفرق المشهورة بالدبكة الأردنية وهي (مع الاحترام لباقي الفرق الأخرى) فرقة الرمثا التي تمثل الفلكلور الأردني بشمال الأردن وفرقة معان التي تمثل الفلكلور بجنوب الأردن والبادية. وهناك فرقة أطفال بيت فجار التي لمعت بالثمانينات ولا أدري الى ما ألت اليه. لا ننكر وجود باقي الفرق ولكنها بقيت محلية جدا ولم تحقق الانتشار ربما لأنها لم تجد من يدعمها ماليا أو كما قال الأستاذ حيدر محمود بمقال له بالثمانيات تعليقا على الفرق المشاركة بأحد المهرجانات أنها جميعا تقدم نفس الفن باستثناء فرقة معان.
هذه محاولة مني لتوثيق هذا التراث الذي اصبح مجرد استعراض وطبل وطبّال, ولا أدّعي أنني اعطيته حقه من البحث فهو يعتمد على ما جمعته من معلومات مما سمعت وشاهدت وقرأت. لذلك أرحب باي اضافة على شكل تعليق هنا أو على أيميلي لأضيف هذا الأدراج للموضوع على مدونتي الخاصة.
دامت الأفراح بدياركم العامرة ومبروك لنشامى الوطن فوزهم .
alkhatatbeh@hotmail.com