بأمر القرّاء الأعزاء ، أستأنف الكتابة ، بعد انقطاع لعدة أيام ، أُعيد التذكير، لمن يهمه الأمر، بقاعدة ذهبية ،التزمتُ بها على امتداد مسيرة الحرف التي تجاوزت 40 عاما : لا كتابة تحت الوصايات والمزايدات .
نحن -الكتاب والصحفيين الأردنيين، أو من تبقى منهم على قيد الكتابة، - بلغنا سن الرشد الوطني ، وحروفنا تشرق من شمس الأردن ، ولا تضيء قناديلها إلا من شجرة مباركة ، زيتونة لا شرقية ولا غربية، لدينا "قضية اردنية" تطاردنا كحلم جميل، نفيق عليها مع فنجان قهوتنا بالصباح ، لا ننتظر من يوزع علينا الطرود والمواعظ الوطنية ،ولا من يخوّفنا من التيه والنوم بين المقابر ، أرواحنا ،قبل حروفنا، نبذلها كُرمى للبلد ، بلا منّة ولا مزاودة.
لا خير فينا، نحن الجيل الذي أوشك أن يودع المهنة ، إن لم نقل لابنائنا الشباب الذين يصعدون اليوم سلم الصحافة: نرجوكم ، كونوا أحرارا ، لا تسمعوا إلا لصوت ضمائركم ،وحدها هي الدليل فصدقوها، ولا تسمحوا لأحد أن يكسر أحلامكم، وحدها هي اليقين فاحذروا أن تستقيلوا منها ، ولا تلتفتوا إلا للمسؤولية المهنية والأخلاقية التي اقسمتم عليها.
أنتم صوت الناس وصدى أنينهم، وملجؤهم ، ورسولهم لكل مسؤول بإدارات الدولة، فلا تخذلوهم ،ولا تقايضوا على معاناتهم، هؤلاء رأسمالكم و رصيدكم ، ومصدر اعتزازكم، لا قيمة لكم بدون اعترافهم ومحبتهم ، ودعمهم الدائم.
أعرف ،تماما، ان مهمتكم صعبة ، فالتشريعات تحاصركم، والذين لا يعرفون قيم الدولة لا يفكرون إلا بمعاقبتكم، البعض يريدكم أن تظلوا ظلا له ، أو أن تصفقوا لإنجازاته الوهمية، آخرون يحاولون أن يفسدوا ذمتكم الصحفية ، لتصبح الوجه الآخر لفسادهم .
أعرف، أيضا ، انه لا ظهر لكم في هذا الواقع الصحفي ، الذي اصبح الجميع يبحث فيه عن رغيف الخبز وراتب آخر الشهر ، بدل أن يبحث عن الحرية والاستقلالية ، لكن مع ذلك كله، أراهن عليكم ، و أدرك تماما انكم ستكونون أفضل منا، ومن اقلامكم سيطلع فجر الاعلام الحر ، و عليها ستنكسر تابوهات وخرافات ، أورثتنا ما نحن فيه من عجز وخيبة.
لا خير فينا ، أيضا، إن لم نصارح الأردنيين بأننا أخطأنا ،أحيانا ، بحقهم، و أن بعض اعلامنا خذلهم، ونطلب منهم الصفح والسماحة ، ثم نعاهدهم أن نكون صوتهم الحر ، ومنابرهم التي تعبر عن قضاياهم وطموحاتهم .
نحن -الكتاب والصحفيين -خرجنا من رحم المعاناة التي تعيشونها ، واخترنا أن نكون ناطقين باسمكم، وممثلين للضمير العام الذي هو أنتم ، فاقبلوا ان نقوم بهذه المهمة ، وامنحونا القوة على الصبر والصمود ، واضربونا على ايدينا ،كما يفعل الآباء مع أبنائهم، إن ولغت أصابعنا في موائد اللئام.
لا خير فينا إن لم نقلها بصوت لا يقبل اللجج : لا يمكن للإعلام أن يتحرك بالاتجاه الصحيح، إلا إذا توفرت له بيئة سياسية وتشريعية واجتماعية مفتوحة على فضاءات الحرية، وحق الحصول على المعلومة، كما لا يمكن للدولة أن تنهض بإعلام "الطبل " ، او تشق طريقها نحو التحديث واعلامها في بيت الطاعة.
الإعلام الوطني الحقيقي يحمل رسالة الدولة وقيمها ، ويدافع عن وجودها و حدودها ، وهو جزء من إدارات الدولة ،لا مجرد عصا لها او جزرة ، واداؤه يُقاس على مسطرة المهنية والمسؤولية الحقه ، لا على مساطر المنافع والترضيات، او التوظيفات والوصايات.
لا خير فينا إن لم نكن صادقين مع بلدنا ،وقيادتنا ، وأهلنا ، حريصين على قول الحق ،مؤمنين بقدرتنا على تجاوز الصعب ،ومواجهة الغوائل والعاديات ، وجاهزين دوما للدفاع عن مهنتنا ؛مهنة الحرف الشريف ، و التحرر مما يريد البعض أن يشغلنا فيه لنغرق باليأس والخوف ، ونبقى اسرى للعجز وقلة الحيلة .