أدبيات في أساليب البحث العلمي
د. ضرار مفضي بركات
22-07-2023 11:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم..
انَّ منَ منهج الكتابة البحثية في المجال التربوي وغيره، استخدام أسلوب (استثمار الحدث)، وأسلوب (القصة)، بنظرة واقعية متوازنة، فبينما أنا مستعدٌ بإذن الله تعالى، وتوفيقه لدراسة ماجستير القانون في جامعة أربد الأهلية، ومن ضمن البرنامج مادة: (أساليب البحث العلمي) والتي أحُبها كثيراً...ورد في ذهني خاطرة؛ لترسم فكرةً أجدها من أهم ما ينبغي لطالب الدراسات العليا أن يُمعنَ النظرَ والتفكير بها…
هي:(لا تكتب بحثاً أو رسالة (متطلباً)، لأنك فقط تُريد أن تُكملَ البرنامج، الذي أنت فيه وتنهي! بل أُكتب بحثاً مُتطلباً، لأنكَ أحببتَ موضوعاً أو عنواناً، تكتب فيه؛ كفكرة، تولدُ أفكاراً "أهداف ونتائج") = وأقصد بـ(الميول البحثي: فكرياً ومنهجياً، بمنطقٍ عقلاني، إلى جانب حضور الوجدان العاطفي: رضاً ومحبةً؛ عما أكتب، وبما أكتب، وكيف أكتب؟! لأنني أريدُ أن أكتب بفاعلية، ضمن زمنٍ فاعل، أستثمرهُ حصراً بهمة عالية وجهدٍ كبير، ومركز.. لكن بالمقابل، لا تقول: (تواكلاً أو تكاسلاً) لماذا أكتب؟!.
لذلك دعوني أزعم مُشبهاً اختيار (عنوان الدراسة للبحث) وأهمية الميول إليه، محبةً وأدباً، فكرياً، كمن يحبُ "موضوع التعبير" حولَ قصة أو حدث، فيذهب مُتأملاً، مُفكراً، مُتفحصاً، مُحققاً، مُخططاً، باحثاً، مُلماً بالموضوع؛ فينطلق بلا قيود! مُتبحراً؛ بمسارٍ ووجهةٍ مُنضبطة، ومحددة المسار والهوية، نحو القمة في أعلىَ الجزيرة!.
وقد يجولُ في ذهنهِ خلال تبحرهِ (فكرة وأفكار) لكنهُ يأخذ منها: ما ينفعهُ لوجهته ومسارهِ؛ بمرونة: بسلاسة وتسلسل، من غير تحيز؛ يفضي لتعصب أو جمودٍ يوقف، أو زهوٍ مبالغ فيه، أو استطرادٍ مُخل في الإثراء مآلاً، وبالتالي لا يسلم بكل شيء على وجه الحقيقة؛ لأنَّ أصلهُ باحث ومحقق، والباحث يعترضهُ الغث والسمين، وقد يعترضهُ من الأفكار: الميتة والمُمِيتة، أو البعيدة: تمكنا أو تصوراً!.. غيرَ أنهُ بشخصيته الثابتة، كباحث مُلم بالموضوع، يأخذ النافع منها، صوبَ هدفهِ الرئيس: "عنوان الدراسة" لأنهُ تعرضَ لهذهِ الأفكار مُسبقاً، من قبل التوجيه المستمر من مُشرفه، المتابع لطالبهِ الباحث، باستمرار (فاعلٍ ونشط)، إلى جانب التعرف على ما عرفهُ المتقدمين مُسبقاً، من أنهم خاضوا هذه التجربة دراسة وبحثاً؛ فأنتجوا دراسات أصيلة، ومثمرة، وفاعلة، تُسمى بـ(الدراسات السابقة) فيأخذ منها؛ لأنها أصلٌ يُستند عليه، وأصالة بالتحفيز والإبداع.
فالدراسة السابقة: هي خير دليل ودلالة، ونفعاً جيداً؛ لانتظام الوجهة البحثية، قُدماً، بل هي أشبه ببوصلة النجاة، لدقتها واتزانها..وكلما واجهت الباحث المتبحر عرقلة بموجٍ شديد أو ريحٍ عاصف عاد إليها؛ فسيجدها باستمرار، أصل وأصالة، وخيرُ دليلٍ نافع ودافع، لتلكم المعوقات. وان زاد الأمرُ تعقيداً وصعوبة، أخذ الباحث يُمعن، ويفكر من جديد؛ مُتأملاً: لماذا هكذا؟!.. ولماذا لا أجدُ حلاً، فيتسائل ويبحث؛ ليجد نفسهُ أمامَ (مشكلة بحثية) أوقفته! متأملاً وممعنا النظر فيها، ضابطاً ومُحدداً المشكلة، وواضعاً لها الحلول: احتمالاً أو افتراضاً، بقوله: لعل كذا، ولو فعلت كذا، لكان كذا، أرأيت من نفسي لو فعلت كذا، لربما كان كذا.. وهكذا ليجد نفسهُ أمام حلول وآفاق جديدة: (فكرة جيدة= تولد أفكار)= لتضع أمامهُ " أهمية دقيقة وخاصة للبحث" = لتضع أمامهُ أهدافاً مهمة ومُركزة للبحث؛ وصولا إلى النتائج المتوقعة من تبحرهِ، "ببحرٍ واسعٍ": وهي نتائج أولية، لكنها مهمة، لقوة صلة السؤال أو الموضوع بالمعرفة الإنسانية، لتدخل قسم (الحوائج المعرفية) المراد تحقيقها بـ(البحث العلمي).
وبعدها: ولكي يرسم ما تقدم، ولا ينسى ما هو جميل ونافع، بثبات ولا يحييد عن مسارهِ المنضبط، يضع مُخططاً: (خطة محكمة) رئيسها: العنوان العام المنضبط، أو الخط العريض؛ لمنهجه الذي رسمهُ، بمنهج: (الاستقراء أو الاستنباط، أو التحليل أو التجريب..) ثم يعود ليبسط، ويقسم هذا العنوان الرئيس؛ لتقسيمات عامة، وخاصة، مُراعياً الكليات والجزئيات، وما هو مهم وأهم، مما هو مطلوب، وبدقة منطقية، مُتسلسلة، (تتناغم): تناسقاً وتناسباً مع المبدأ العام:(وحدة الموضوع).
بمعنى أن تكونَ تقسيمات البحث منضبطة، لزوماً: ضرورياً، والتزاماً: منهجياً؛ بنظرة مُميزة تنم على عقلية وشخصية الباحث، وخاصةً، بالدقة والتصويب نحو الأهداف والنتائج المرجوة، بصورة (جميلة وشيقة)، لا تحيد أبداً عما آثار ذهنهُ ابتداءً، وذهن مُشرفهِ، وكليتهِ: قبولاً، ل(عنوان وموضوع الدراسة) الرئيس، بإطاره العام المنضبط.
وهنا قد يرد في ذهننا لماذا لا بد من ضرورة الدقة فيا تقدم؟!.
أقول: لأننا التزمنا منذ البداية أن نكونَ على قدر المسؤولية، ولأننا بالعزم والإصرار والثبات على المنهج، والسير قدماً بمنهجية: (جادة على الجادة "الحق") نُحقق: (المتوقع والمأمول) بكل رصانة؛ ليتحصل لدينا بمرور الوقت، الذي يتخلل ثناياه خوضاً وتجارب بحثية أخرى، شيء من الخبرة، والتي قد تصل ببعضنا إلى ما يسمى، بالملكة البحثية، التي تتسم بالمنعة الفكرية المنشودة عموماً بعون الله وتوفيقه.
خلاصة ونتائج المقال، تأتي تزامناً مع عنوانه ومضمون، كما يلي:
أولاً: نجد في هذا البحث الذي تبحرنا في بحره الواسع لنصل إلى أعلى قمة في الجزيرة من الأفكار الجديدة، ذات النوعية الهادفة، والمحققة للنتائج المتوقعة انتهاءً، من البحث بخلاصة وخاتمة مُركزة؛، وصولاً بعدها إلى التوصيات في آخر المطاف.
ثانياً: نجد أنَّ التوصيات التي يوصي بها الباحث في نهاية بحثه: هي عربون محبة منه، وصدق أخوة: (أثراً وحساً)= للإثراء من جديد، بطرق، وأساليب أخرى لها مجالاتها المتنوعة.
ثالثاً: نجد أنَّ جدية وشخصية الباحث من أنهُ تناول وأعطى: أخذاً وإنتاجاً- وأعطى: مُنتجاً بحثياً، لكنهُ أوصىَ بالمزيد، تناولاً؛ ليفتح أمامَ غيره، أفاق جديدة، مما لهُ صلةً بموضوعه؛ لسد الثغرة، فهذا دلالة واضحة وصريحة، على أنه باحث وممعن النظر جيداً بالمسألة، بغيرته وحسه العلمي، العالي والمثمر؛ وعملاً بقوله (صلى الله عليه وسلم): "المُؤمنُ يَألَفُ وَيُؤْلَفُ، ولَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤلَفُ، وخَيرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ". (الطبراني، المعجم الأوسط، ج6،58،(5787).
رابـعـاً: نجد أنَّ (الأمانة العلمية) الصادقة، والحس البحثي الجيد، مهمٌ جداً ابتداءً، ومسؤولية: انتباهاً انتهاءً؛ فهي بالأساس، رد الفضل والعلم المتناول؛ لأصحابه جهداً واعتباراً بجوهرهِ، لأنَّ (العلم الرصين) لا يتوقف عند أحد؛ فهو يُؤتى أخذاً وتناولاً، ولا يأتي تكاسلاً أو ترفعاً أو سلباً!.. ولأنَّ الكمالَ لا ينبغي إلا لوجه الله تعالى وحده؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.(78: النحل).
خامساً: نجد أيضاً أنَّ (الأمانة العلمية) واجبة في كل ثنايا البحث، فهي أساسٌ للإبداع، ولوضوح حُسن وباعث الباحث الملائم، مع أغراضه البحثية؛ لتتوافق مع أهدافه؛ وصولاً لكل ما هو جديد: نوعي ومثمر، بتوفيق الله سبحانه وتعالى، من بداية البحث، وحتى نهايته؛ صوناً، وتحفظاً، ونتيجةً، وتوصيةً؛ ولحديث النعمانِ بنِ بَشيرٍ، عن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) قال: " لا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ، وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَة الله شُكرٌ، وَتَرْكُها كُفرٌ، وَالْجمَاعَةُ رَحمَةٌ، وَالْفُرْقةُ عَذابٌ" (الطبراني، المعجم الكبير، ج21، 85، 84).
التوصيات، في نهاية هذا المقال على غرار ما يقدمهُ الباحث من توصيات في آخر بحثهِ:
هذا، وما تقدم، جاءَ بمنهج أسلوب: (استثمار للحدث وبأسلوب القصة القصيرة)؛ للدلالة على أهمية (البحث العلمي) بأساليبهِ الرصينة، ومنهجيته العلمية الثابتة، فهو عملٌ انجازي وإبداعي استكشافي؛ وصولاً للأهداف النوعية، والنتائج المتوقعة والمرجوة منهُ، بصورةٍ عامة، وبالتالي فإنَّ (العمل البحثي) تصرف، والتصرف يتضمن: (الفعلَ والقولَ) والباحث مسئولٌ عن تصرفاته أمام الله -عز وجل- أولاً وأخيراً؛ ثم أمام مؤسستهِ، ومجتمعهِ، ووطنهِ، وقائدهِ؛ قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(105: التوبة).
قاعدة: كُلما كانَ (الانضباطُ والحس العلمي بما هو جديد) يتزامن مع الباحثين، كُلما تفادينا الاختلال النمويّ للأبحاث والدراسات، وبالأخص الإستراتيجية منها، معرفياً واقتصادياً، وتقنياً ومهنياً وغيره؛ لأنَّ هذا يعدُ أساس في المسؤولية المجتمعية، والمؤسسية، لأنَّ بناء الفرد الفاعل(الباحث) وإن كان يبحث بحثاً مُتطلباً، فهو أساسٌ في بناء (الفاعلية النوعية) لدى المجتمع ككل.
والله الموفق لكل خير، لا ربّ غيره..
المراجع، والملاحظات:
1. (الطبراني (ت:360هـ) سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم المعجم الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله, وعبد المحسن بن إبراهيم، دار الحرمين، القاهرة، ج6،58،(5787).. وله أيضاً، المعجم الكبير، ج21، 85، 84).
2. ما تقدم من كلام، هو مستوحى من دراسات الكاتب السابقة لمناهج البحث، ولتجربته البحثية.
3. أما أسلوب ومنهج الطرح بالمقال، فهو مُكتسب استقرائياً من أسلوب المفكر العربي "مالك بن نبي" في طرحهِ للمسائل، في مؤلفاته، بأسلوب شيق؛ خشية السآمة، وبأسلوب الصورة المشبهة أو القصة؛ بالذي أجدهُ أسلوب (يُشوق، ويُسهل، ويرسخ للفكرة، تحت إطارها العام الرئيسي).
4. وهذا ما أزعم اجتهاداً، فما أصبت فبتوفيقٍ من الله تعالى، وما أخطأت فهو من تقصيري.
د. ضرار مفضي بركات
محاضر غير متفرغ/ ج. جدارا / وعضو الاتحاد الأكاديميين والعلماء العرب
ويعمل لدى وزارة التربية والتعليم/ المملكة الأردنية الهاشمية
Drarbrkat03@gmail.com