التل يكتب: "الالكتروني" .. حماية أم تضييق؟
محمد حسن التل
19-07-2023 06:49 PM
نمر الأن بحالة يحتدام النقاش فيها كتلك الحالة التي مررنا بها إبان طرح قانون حماية الطفل على مجلس النواب، حيث تمت شيطنة القانون وهاجمه كثيرون لم يطلعوا عليه. اليوم، قانون الجرائم الالكترونية مطروح على مجلس النواب صاحب الصلاحية التشريعية حسب الدستور لمناقشته وإقراره، ولو كنا نحترم الديمقراطية التي نطالب بها ونتباكى عليها، لقدمنا مشورتنا للمجلس الذي طلب الاستماع للجميع وبادرنا إلى إبداء الآراء دون شيطنة القانون، ولكن نحن دائما نلجأ إلى "دب الصوت" قبل أن نفهم أو نقرأ.
إطلعت على القانون وقرأته قراءة متفحصة، وسألت بعض القانونيين عن بعض الألفاظ التي وردت في بعض مواد القانون، وخرجت بنتيجة أن القانون بالمجمل يحمي المجتمع الأردني من تغول السوشال ميديا والعالم الافتراضي، فهل يوجد بيت أردني أو على مستوى الأشخاص لم تصل نار الجالسين خلف شاشات أجهزتهم أو حاملين هواتفهم حين إستباحوا الحرمات وهتكوا الأعراض وعاثوا في الأمن المجتمعي الخراب، ناهيك عن حالات النصب والاحتيال والابتزاز الرخيص الذي قضى على استقرار آلاف الأسر ودمرها وشرد أفرادها.
كنا نطالب بأن تتدخل الحكومة لضبط العالم الافتراضي بكل أنواعه، وإعادته إلى الاتجاه الصحيح قانونيا، والكثيرون اتهموا الحكومة بالتقصير، وعندما بادرت بوضع القانون قام البعض ولم يقعدوا متباكين على الحريات، وأن هذا القانون قضى على الديمقراطية في البلاد وأنه وضع لحماية المسؤولين الرسميين في غايته الأساسية.
الذي يقرأ القانون بعقل بارد يدرك مدى إيجابياته وعمقها وفعاليتها في حماية المجتمع من أولئك العابثين في الظلام في استقراره.
من الملاحظات التي سمعتها على القانون مثلا الإحتجاج على السماح للنائب العام أن يتحرك ضد أي شخص أو جهة خالفت القانون على صفحات التواصل الالكتروني دون شكوى، وهي ملاحظة تدعو إلى الاستغراب، وتثير تساؤلا هل الذين يحتجون على صلاحية التحرك المباشر للنائب العام لا يدركون أن النائب العام مهمته الأساسية حماية المجتمع من المجرمين، والادعاء عليهم أمام المحاكم وأنه ينوب عن الضحية وعن كل المجتمع في مواجهة الجريمة بكل أنواعها.
أما فيما يتعلق بالحديث عن أن القانون يقيض الحريات الصحفية، فمواد هذا القانون بالنسبة للصحفيين الذين يمارسون مهنتهم على أسسها الحقيقية وأصولها الأخلاقية لا يمسهم بالمطلق، لقد عملت في الدستور سنوات طوال كرئيس للتحرير، وفي بعض الفترات، ولم نسأل يوما امام القضاء أوغيره
، لأن المهنية التي مارسناها أنا وملائي كانت تحمينا وتوسع هامش الحرية لدينا، فكلما زادت مهنية الصحفي ارتفع سقفه في الحرية، وهذا طبعا لا ينطبق على الدستور فقط، بل انطبق على مؤسسات صحفية كثيرة سواء كانت ورقية أو الكترونية.
اما فيما يتعلق بالغرامات المالية فإنها تأتي للردع فمن أمن العقوبة أساء الأدب وللإنصاف، فإن القانون يحتوي أيضا على مواد قد تؤدي إلى لبس أو خلط عند التفسير ، ومن الممكن أن يستغلها البعض للتضييق على الحريات، ولكنها مواد محصورة، من الممكن خلال النقاش والحوار الهادئ والثقة المتبادلة بين الأطراف المعنية أن يتم تعديلها والإتفاق على صيغة توافقية يقبل بها الجميع دون شيطنة أو اتهام.
أما قصة أن القانون سيضع الأردن في درجة متأخرة على سلم تصنيف الحريات في دول العالم، فهذه قصة مللناها وباتت مكشوفة منذ زمن لأننا نعلم جيدا أن هذه التصنيفات معظمها تخرج توصياتها من عندنا، ومن المتضررين من أصحاب التمويل الأجنبي الذي يجب أن ينظم بقانون صارم، مع العلم بأن معظم المؤسسات تعمل في تصنيف الدول على سلم الحريات تابعة لجهات أهلية وآراؤها تخضع لعوامل كثيرة غير موضوعية، ولا زلنا نذكر أن لجنة الحريات في إتحاد الصحفيين العرب، مع احترامنا للاتحاد، في إحدى تصنيفاتها للحريات في إحدى السنوات في الوطن العربي، وضعت ليبيا في الدرجة الأولى، وكانت ليبيا لا زالت تحت حكم القذافي، وهذا مثل واضح على أن قصة الحريات وتصنيفاتها ليست واقعية في معظمها وتخضع لمصالح متنوعة.
قانون الجرائم الإلكتروني الذي قدمته الحكومة مليء في بالإيجابيات وربمافيه بعض السلبيات واللبس، فهذا أمر طبيعي، فهو من صنع البشر يصيبون ويخطئون والأهم أنه الآن في عهدة مجلس النواب، ومن أراد أن يقدم مشورة أو رأي فأبواب المجلس في العبدلي مفتوحة، فلنتوقف عن الاتهام والشيطنة وننتظر ماذا سيقدم النواب تحت القبة.