المع الشخصيات في التاريخ ، هي من وقفت الى جانب الفقراء والمساكين ، فمن "ابي ذر الغفاري" الى جعفر بن ابي طالب الملقب بأبي الفقراء ، وغيرهما ، والذاكرة تفيض بأسماء كثيرة.
تاريخ الشعوب الاخرى يمّجد الشخصيات التي تقف الى جانب الفقراء ، من"روبين هود" الى غيره من أسماء بقيت محفورة ، لأنها انحازت الى الفقير وفقره.
مع كل غني يولد ، يولد عشرة فقراء ، لان الفقير ضحية الغني ، وضحية الآخرين ، ممن يتركونه على حاله ، ولايعترفون ان الفقير ضحية للاخرين ، وانه لولا بخل الآخرين ، ولولا نهب المتنفذ لمال الفقير ، لما بات فقيراً.
في القرآن شرعنة مشروطة لحالة الغنى ، وهي مقبولة ، لكنها مشروطة بشرطين ، وليست مطلقة ، الاول: ان يكون المال حلالا ، والثاني ان يدفع حق الله فيه لفئات كثيرة ، ومن يزد من عنده فوق المطلوب يُجزَ به.
الفقر اليوم لم يعد كالفقر القديم ، اذ يأتي ويجلب معه الكراهية والحقد والطبقية والفساد الاجتماعي والجريمة ، والغضب.
الفقر ايضاً لم تتم شرعنته في القرآن بمعنى قبوله ، اذ انه نتيجة لاختلالات ، فيما الغنى مُشرعن ومقبول ، على ضوء الشرطين ، بمعنى ان الله لم يقسم الناس الى طبقتين ، بل قبل بالغني على اساس الشرطين ، فيما قبول الغني لايكتمل الا بمداواة الفقير الى درجة ازالة فقره،.
معنى الكلام ان بقاء الغنى مفهوم ومقبول ومبارك ، فيما بقاء الفقر مُحرّم ومرفوض ، وهذا التجسير بين حالتين ، يراد منه وصل الناس ببعضهم ، لا..فرزهم عن بعضهم ، ولا..عزلهم ، على اساس مجموعات اجتماعية واقتصادية.
شرعية الغني لاتكون الا بما يقدمه و ينقل فيه الفقير من فقره الى متوسط الحال فقط ، وهذا توازن مقصود وتكاملي.
الفقر هو ابو المصائب ، واخطر مافيه ، ان الجوع لم يعد جوع البطن ، بل بما يستحضره معه ، من آفات وعلل ، على كل المستويات ، وبهذا المعنى يكون كل فقير هو ضحية الآخرين ، قبل ان يكون ضحية نفسه ، والضحية هنا تثأر لمظلوميتها.
غنى الافراد ، وفقرهم ، ينطبق بذات المعيار على الدول ، بشكل او بآخر ، وحين تسمع ارقام الفقر والغنى في العالم العربي ، يندى جبينك حزناً على ماوصلنا اليه ، من فروقات هائلة بين الشعوب.
ارباح الدول العربية النفطية من النفط خلال عام واحد فقط (ألفين وعشرة) ، تتجاوز الخمسمائة مليار دولار ، وها هيَ واردات عام واحد كفيلة بسداد ديون العرب ، وكفيلة ايضاً بإنقاذ الملايين من بؤسهم.
فرق كبير بين الفقر حين يكون قدراً مكتوباً ، وذاك الفقر الذي يتم انتاجه وغرسه في عيوننا ، ظلالا سوداء ، تلتبس بالاسم وتاريخ الميلاد ، وشهادة الوفاة ايضاً.
mtair@addustour.com,jo
(الدستور)