في توليد الكهرباء من الصخر الزيتي
د. م. منذر حدادين
19-07-2023 09:32 AM
حظيت بلادنا بثروة معدنية وثروات طبيعية أخرى تعين في توفير متطلبات المعيشة الكريمة لمواطنيها، ولقد تشرفت بالخدمة في تأسيس شركة البوتاس العربية والأخذ بيدها لتعبر إلى الإنتاج التجاري والتوسع الأول فيه، ثم تشرفت بالخدمة في شركة مناجم الفوسفات الأردنية وشركاتها الحليفة منذ أيام الربيع العربي ولدورة واحدة، وأمضيت ردحاً من خدمتي في البلاد على علاقة وثيقة بسلطة المصادر الطبيعية حتى أنني شعرت بحزن عميق للإجراءات القانونية التي اتخذت لإلغائها، ويبقى الأمل معقوداً على كوادر وزارة الطاقة والثروة المعدنية للاستمرار في حمل ما حملته تلك السلطة منذ العام 1965 حتى انتهت إلى زوال عام 2013.
ولقد عملت دهراً في قطاع المياه لدوره المركزي في تنمية وادي الأردن تنمية متكاملة اقتصادية واجتماعية، واتضح لي اقتران المياه بالطاقة إلى درجة التوأمة، ويكفي أن نعي أن حوالي نصف كلفة خدمة المياه للمستهلكين في منازلهم مردها كلفة الطاقة، وستزداد من خلال الاعتماد على مشاريع التحلية لتوفير المزيد من المياه المنزلية وما يتبع جمع المياه العادمة ومعالجتها كي تستعمل في أغراض الزراعة المروية.
ومصادر المياه المتجددة شحيحة لبلادنا على تزايد سكانها، ولكن مصادر المياه الإحفورية غير المتجددة كفيلة بسد الاختلالات في معادلة الموارد المائية والسكان.
والقول صحيح بالنسبة لشح مصادر الطاقة الإحفورية. لكن، وكما تعين مصادر المياه الإحفورية على توفير المياه المنزلية، كذلك تعين احتياطيات الصخر الزيتي في بلادنا على توليد الكهرباء بالحرق المباشر وعلى استيلاد الوقود السائل والغازي منه بالتقطير، وقد حظيت بلادنا باحتياطي محترم من الصخر الزيتي ينتشر في العديد من المناطق غير المأهولة من بلادنا.
وفي حين أثبتت الاستعانة بالمياه الإحفورية جدواها بتنفيذ مشروع مياه الديسي للمياه المنزلية بنقلها إلى العاصمة ومدن أخرى على بعدها الجغرافي، وباستعمالها في الزراعة المروية في سهل الصوان والمنيشير في جنوب المملكة، كذلك أثبتت بوادراستيلاد الكهرباء جدواها بإقامة محطة لتوليد الكهرباء بالحرق المباشر للصخر الزيتي الأردني في العطارات والتعاقد مع الشركة المستثمرة في ذلك لتوريد الكهرباء للشبكة الوطنية، وقد بدأت توليدها توريدها بالفعل.
ولست الأن بصدد إطلاق الأحكام على ما تطورت إليه الأمور مع شركة العطارات إذ أن الأحكام فيها منوطة بهيئة تحكيم دولية أصبحت بموجب التوافق بين المتعاقدين صاحبة الاختصاص، ولكني أبدي أنني متحمس لمبدأ تعظيم القيمة المضافة في نشاطاتنا الاقتصادية لما فيها من خدمة للاقتصاد الوطني وخدمات أخرى إجتماعية ونقدية وديموغرافية لا تأخذها التحاليل الرقمية في الحسبان لدى احتساب معدل العائد الاقتصادي الداخلي للاستثمار.
وإذا ما أخذنا توليد الطاقة الكهربائية بالاعتبار، أجدني متحمساً لمحطة توليد الكهرباء في الريشة لاستعمالها الغاز الطبيعي المستخرج هناك، ومؤيداً لمشروع توليد الطاقة الكهربائية من الصخر الزيتي الأردني في العطارات، وليس حماسي عاطفياً فقط بل هو معتمد على عوامل مهمة تتأتى من القيمة المضافة محلياً في إنتاج الطاقة، ولقد كان دأبنا في توليد الطاقة الكهربائية على حرق زيت الوقود الثقيل وعلى حرق الغاز الطبيعي ومصدر كليهما خارج البلاد ويكلفنا استيرادهما مالاً مدفوعاً بالعملة الأجنبية تتوفر لبلادنا من تصدير السلع والخدمات ومن استقطاب الاستثمار الأجنبي ونشاط البنوك لاجتذاب وفورات بالعملة الأجنبية.
ولا بد من الابتداء في عرضي بتوطئة تشي بوضع ميزان التجارة الخارجية لبلادنا، فلقد بلغ العجز في هذا الميزان للعام 2022 ما يكافئ 14.93 مليار دولار أميركي هو الفرق بين الصادرات (بما في ذلك السلع المعاد تصديرها) وبين الواردات، وبلغ عدد السكان في نهاية ذلك العام 11,3 مليون نسمة، أي أن العجز بلغ 1320 دولار للفرد في ذلك العام، نصفها تقريباً هو عجز في تجارة المواد الغذائية للفرد والنصف الآخر عجز في تجارة السلع الأخرى والخدمات، ولا شك أن هذا العجز المتكرر سنوياً وفي ازدياد هو عبء على احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية، وهو كذلك تعريض بالأمن القومي لاعتمادنا في معيشتنا على شركائنا التجاريين وعلى بلاد الأشقاء المستضيفة للعاملين الأردنيين.
وللمضي في عرضي أقول: إن القيمة المضافة في حماسي لتعظيم القيمة المضافة في نشاطاتنا الاقتصادية، وتوليد الكهرباء مثال حي، تعطي الفوائد التالية التي تكسبها ميزات على نظيرتها المتأتية من توليد الكهرباء باستعمال السلع المستوردة من محروقات:
1. تعمل القيمة المضافة على خلق فرص عمل نحن في أمس الحاجة إليها، فقد عمل الاستثمار في محطة العطارات لتوليد الكهرباء على خلق ما يقارب من الف فرصة عمل مباشرة شغل ربعها شباب في مقتبل العمر من سكان منطقة أم الرصاص وجوارها. وتعمل المحطة على خلق فرص عمل غير مباشرة لا تقل عن تلك المباشرة إن لم تتجاوزها بمراحل. أما قدرة محطات التوليد بالغاز المستورد فقد تصل إلى عُشر ما توفره محطات حرق الصخر الزيتي.
2. تساعد القيمة المضافة هذه على المساهمة في نشاطات الاقتصاد الوطني، فرواتب العاملين الأردنيين مثلاً تنفق محلياً في الاستهلاك وفي التوفير، ويذهب جزء منه للخزينة العامة على شكل ضريبة دخل وضريبة مبيعات للمساهمة في واردات الدولة وتنفق هذه الأخيرة في الأبواب المحددة في قانون الموازنة العامة، ويذهب جزء آخر، هو اقتطاعات من رواتب العاملين، إلى صندوق الضمان الاجتماعي الذي بدوره يذهب للاستثمار المحلي، أما التوفير فيذهب إلى وجهته في البنوك التي توفر القروض للاستثمار أو إلى الاستثمار المباشر في سوق عمان المالي وسواه من طرق الاستثمار الناشطة في الاستثمار الوطني.
3. يساهم التوليد المحلي للكهرباء واستغلال الخامات الوطنية في الحد من غلواء الاعتماد على الاستيراد وما يتطلبه ذلك من توفير العملة الأجنبية لخدمة ذلك الاستيراد، كما يعزز من أمن الطاقة بعد أن خبرنا قطع إمدادات عناصر الطاقة المستوردة منذ عهد بعيد: وأسوق مثالاً على ذلك إغلاق الحدود العراقية والحدود السورية إثر انقلاب عسكر العراق عام 1958، وكان الوقود السائل يأتينا من مصفاة الزهراني بلبنان. وخبرنا قطع تدفق الغاز المصري إثر تعرض أنبوبه للتخريب في سيناء، والانقطاع القصير للكهرباء في سائر أنحاء المملكة منذ عامين.
3. التأثير على التوزيع السكاني في أراضي المملكة، فالسكان يستقرون حيث يرزقون، وتأسيس شركات التوليد حيث مناطق احتياطي الصخر الزيتي الجرداء يساعد على استقرار السكان حولها وتقل بذلك كثافة الهجرة من الريف والبوادي إلى المدن، مع ما يرافق ذلك من مشاكل اجتماعية وثقافية تزيد من أعباء الدوائر الحكومية المعنية. وفي استقرار السكان في البوادي والأرياف تشغيل مهم للبنية التحتية الموجودة من طرق وخلافه أو يتطلب الاستثمار في بنية تحتية جديدة من إسكان وطرق وخطوط نقل الكهرباء وأبراج اتصالات ومحطات رصد وشبكات مياه وسوى ذلك من متطلبات المرافق العامة. فالاستثمار في موقع العطارات مثلاً اقتضى بناء طريق بمسربين يصل اليوم الطريق الصحراوي عند سواقة بالطريق الخلفي للعقبة (معان – الجفر- الريشة- الحدود العراقية).
4. نقل الخبرة التكنولوجية للبلاد ونقلها في حالتنا إلى سكان الأرياف والمناطق الهامشية، فقد عمل الاستثمار في العطارات تعديناً وتوليداً على تدريب السكان الريفيين هناك (أو بالقرب من موقع الاستثمار) على ممارسة مهن مطلوبة كاللحام والصيانة وتشغيل الآلات من تعدين وتوليد وخلافه، ومن المؤمل أن يبادر القطاع الخاص عندنا في صناعة بعض ما يلزم من مركبات الأعمال كي يساهم بالمزيد من تعظيم القيمة المضافة.
5. يتيح الاستثمار في التعدين على استغلال الثروة المعدنية وعلى توفير دخول مباشرة للخزينة على شكل رسوم تعدين وما يترتب على استثمار كهذا من شراكة حكومية فيه أو مترتبة عليه، إذ تتقاضى الحكومة من شركة العطارات ما يقارب من 25 مليون دينار سنوياً لقاء إيجار للأراضي ورسوم تعدين واستغلال مياه جوفية.
6. من المطمئن للبلاد أن يكون اعتمادها في حاجاتها على مصادر محلية لا تتأثر بعواصف التجارة العالمية التي تهب لأسباب سياسية أو تنافسية أصبحت واضحة للعيان.
ومع كل هذه الفوائد المقارنة فلا مناص من العناية الحثيثة من قبل الدوائر الحكومية المختصة بتفاصيل الاستثمار وشروطه، ومتابعة تنفيذها، والحرص الأكيد على معاملة المستثمرين معاملات تشجعهم وغيرهم على الإقبال على الاستثمار في بلدنا، ولعل تسهيل ولوج الاستثمار ومعاملاته الأصولية وتسريعها من مزايا هذه المعاملة لتشجيع المستثمرين.
حمى الله بلادنا وقيادتها، ووفق مليكنا وجهده الدؤوب في استقطاب الاستثمار واجتذابه، ووفق حكومة جلالته في الاستجابة الحثيثة لتوجيهاته في الإصلاح الإداري والتحول الاقتصادي.. إنه سميع مجيب.