البلديات في الأردن من عمر الدولة، وهي جزء مهم من السلطة التنفيذية حتى وإن كان لها تعريف آخر في القانون، بل كانت من أدوات بناء الدولة وإيجاد بنية تحتية في الصحة والتربية والتعليم والطرق وخدمات أخرى، لكنها في بلادنا منذ عقود تشبه الأسر العفيفة، تبحث عن قوت يومها، ميزانيات متعثرة وديون ونقص خدمات، حتى أصبح موقع رئيس البلدية عبئا على من يتولاه، لأن القدرة على الفعل في أغلب البلديات ضعيفة.
تم تعديل قانونها عدة مرات، ومرة تحصل على بعض الاستقلال عن الوزارة ومرة تعاد إلى بيت الطاعة، لكن البلديات ورغم كل ما يقال فيها من شعر ومديح إلا أنها مشكلة إدارية ومالية وعنوان للعجز عن أداء دورها في خدمة الناس.
كثير من البلديات أهم في دورها وتأثيرها على الناس من وزارات، بل إن البلدية هي أول وأكثر ما يتعامل معه المواطن في المحافظات من الدولة من نظافة وشوارع وتنظيم ورخص مهن وبناء وغيرها من الخدمات، ومع ذلك ترى بلديات كبرى عاجزة ولا تسمع من رؤسائها إلا الشكوى والتذمر من ضعف الحيلة، وترى تلك البلديات التي تخدم مئات الآلاف من الأردنيين وكأنها قسم في وزارة البلديات وليست حالة إدارية منتخبة.
وحتى تكدس الموظفين في بعض البلديات بلا عمل فإن جزءا منه ضريبة قدمها بعض رؤساء البلديات لناخبيهم على شكل توظيف، لكن جزءا مهما كان توفير مصدر دخل لشباب وبنات قرى وبلدات ليس فيها تنمية، وكان التوظيف ضرورة اجتماعية وسياسية بدلا من أن يكونوا هم أو عائلاتهم على سجل صندوق المعونة الوطنية.
في البلديات فساد، وهناك من هم مستفيدون من مواقعهم الوظيفية لكن هذا ليس جوهر المشكلة، فحيثما تكون الخدمات أو الاستثمارات يمكن أن يكون هناك فساد، وليس حصرا على البلديات وإن كانت متابعة شبهات الفساد ضرورة جدا.
وإذا كنا دخلنا مرحلة تحديث سياسي فإن البلديات ساحة مهمة للتحديث والإصلاح، فهي مجالس منتخبة أي ممارسة ديمقراطية، وهي مشاركة الناس في خدمة نفسها وتطوير مدنها وقراها، وهي ساحة اختبار لمدى شعبية القوى الاجتماعية والسياسية، بل إن رئيس البلدية كمسؤول تنفيذي له كادر وموازنة قادر على تقديم خدمات أكثر من النواب الذين يطالبون بالخدمات لكن التنفيذ عند الجهات التنفيذية.
ما نقوله لا يعني غياب الإنجاز الجزئي أو الكلي في البلديات لكننا نتحدث عن الصورة العامة وخاصة البلديات الكبرى، فالمشهد العام يقول إن ملف البلديات يحتاج إلى تعامل جذري من الدولة ماليا وتشريعيا وإصلاحيا، فإذا نجحت البلدية في خدمة الأردني في مدينته فإن هذا يخفف العبء عن الحكومة وحتى عن مجالس المحافظات، وأيضا يساعد في توسيع حقيقي لمشاركة الأردنيين في قرار خدمتهم.
الغد