أشار تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004 إلى أن الحرية ونموذج الحكم الصالح عربياً والضامن لها يواجه تحديات مفهومية وعلمية جمة في البلدان العربية، وتعود تلك التحديات إلى تشكيلة من الظروف العالمية والإقليمية والمحلية، وأكد التقرير الذي أعده حينها نخبة من الخبراء العرب المؤمنين بفكر الإصلاح والتغيير على أن العالم العربي كان يشهد افتراقاً بين الحرية والديمقراطية، وهذا الافتراق يعود إلى إقامة مؤسسات ديمقراطية مع تفريغها من مضمونها الأصلي الحامي للحرية، بمعناها الشامل، حتى تنتهي هذه الهياكل تحت الهيمنة، وهذه الهيمنة إن لم تكن سلطوية مباشرة فإن السلطة أو النظام السياسي العربي التنفيذي يقودها لتصبح آليات ونسق حكم يحمي هيمنته ولا يحمي الحرية ( عمان 2004، ص 61).
لقد استمر الجدل العربي والإسلامي من اجل الإصلاح الذي بدأ مع القرن التاسع عشر وحتى اليوم، وآل في بلاد عربية إلى الغضب والثورات والتمزق، لكنّ هذه الاستمرارية تقود إلى ضرورة البحث عن الكيف الإصلاحي والمضمون المعرفي التنويري، والسؤال عن مدى ارتباط الإصلاح السياسي بحركة المجتمع؟ وما موقف السلطة السياسية الحاكمة عربياً وإسلامياً منه؟
إن قراءة رسالة السياسة الشرعية للتونسي محمد حسين بيرم التي أعاد فيها شرح رأي الشريعة في العدل والتقاضي والحسبة والدعاوي، توحي بقبول هذا الاستنتاج، كما أن أفكار حسين نائيني في إيران تؤكد ذلك، وما قدمه التونسي احمد بن أبي الضياف من الدعوة لضرورة تقييد المُلك المستبد تسير في الاتجاه نفسه، وكذلك الحال مع الكواكبي المشدد على جملة الحقوق الفردية مثل: العدل وامتلاك الحرية ومحاسبة الحكام وفق النموذج الراشدي، الذي شكل القدوة والمثال لكل حكومة إسلامية والذي يستمد نظمه من الشريعة الإسلامية حيث يقول:» جاء الإسلام بالحكمة والعزم فأسس التوحيد وأظهر للوجود حكومة كحومة الراشدين التي لم يسمح الزمان بمثال لها بين البشر».
اليوم نحن بحاجة لاعادة قراءة فكر الإصلاح العربي، والذي شهد انعطافات كبيرة وحادة، وانتهى إلى حركات احتجاج وغضب شعبي نتج عنها الفوضى وملايين المهجرين من دول عربية عديدة، وكل ذلك رفع منسوب الفقر والحرمان والفوضى وصراع القوى المحلية على الغلبة، فعاد العقل العربي لاشكالية الغنيمة والقبيلة والسلطة، وهذا ما نقرأه في اكثر من مشهد عربي راهن.
الدستور