ما إتخذته الحكومة من إجراءات إستثنائية في ظروف إستثنائية , من شأنها خدمة أهداف ضبط السوق لتخفيف الأعباء عن كاهل الشرائح الأكثر تضررا , لكن الإستثناء غير مرغوب ما دام ممكنا تأسيس قاعدة تتضمن آليات طويلة المدى .
فيما يتعلق بالأسعار , دراسة السوق المحلي وتوقعات الأسواق العالمية , مقدمة لازمة لأية إجراءات ينبغي أن تضمن الية طويلة المدى لا تنهض في وقت الأزمات كما لا تخبو في وقت الإستقرار .
المقصود هنا هو أن توقعات إرتفاع الأسعار العالمية نتيجة إستئناف النمو وبالتالي الطلب العالمي الذي يعقب فترة من الكساد والتباطؤ , مسألة بديهية ينبغي أن تكون حاضرة , لكن هل هذا ما يجري فعلا ؟.
فوق كل الأسباب المنطقية لارتفاع الأسعار، ومنها ارتفاع كلف الاستيراد لارتفاع أسعار النفط وارتفاع كلف الإنتاج في بلدان المنشأ هناك دائما آليات حاضرة ومحددة بموجب القوانين والأنظمة وإقتصاد السوق للعلاج .
هناك مغالاة؛ نعم لكن ما هي عوامل نشوئها ؟ .
في موضوع السلع الأساسية مثل السكر والأرز , واللحوم , ليس هناك إحتكار فباب الاستيراد مفتوح لكن تاجرا أو إثنين فقط تمكنا من إشباع حاجة السوق بنسب كبيرة وقد ساعد على ذلك معدلات الطلب والإستهلاك في سوق صغيرة , ما ضيق هامش المنافسة , لكن الأمر بالنسبة للمحروقات مختلف , فالإحتكار لا يزال قائما .
لم تقدم وزارة الصناعة والتجارة دراسة مقارنة تظهر فيها الفرق بين أسعار السكر مثلا في المملكة وفي بلدان أخرى مجاورة ومشابهة في كلف الشحن , مع مراعاة فروقات الضرائب والرسوم , كي يتسنى التأكد من عدالة الأسعار , وهي إن فعلت ذلك فليس ما يمنعها من فرض أسعار محددة بهوامش ربح معقبولة , وهو ما تملك فعله ليس بموجب قانون المنافسة فحسب بل بقوة الإتفاقيات الدولية ومنها إتفاقية منظمة التجارة العالمية التي أفردت بنودا لمعالجة مثل هذه التشوهات وبقوة إقتصاد السوق , ومنها تدخل الدولة في حال أدت سيطرة تاجر أو إثنين على 40% من السوق في غياب المنافسة وفي سوق مفتوح , تسمح بنشوء « كارتيل من نوع ما يمكن من التحكم بالأسعار في إتفاقيات غير شرعية , والتدخل هنا لا يتم بالضرورة في فرض أسعار عشوائية لمجرد الرغبة في تخفيضها , بل بالدخول الى دفاتر الحسابات والتأكد من الكلف وهوامش الربح .
من بين أدوات ضبط السوق في ظل الاقتصاد الحر, تحقيق التوازن بين العرض والطلب, ويتم ذلك بتعزيز منافذ البيع التي تستطيع الحكومة توجيهها, اضافة الى السماح لأكثر من تاجر باستيراد سلع حيوية ارتفعت
أسعارها لفك الهيمنة , ودراسة جدوى خفض الرسوم الجمركية على السلع الضرورية المستوردة أو على خامات المنتجات الهامة وذلك لخفض تكلفة الانتاج أو تعليق رسوم الاستيراد مؤقتا الى أن يعود السوق الى رشده,
بمعنى حالة التوازن, وهي ما يكفله زيادة المعروض لمواجهة زيادة الطلب وتغيير الأسلوب التجاري للمؤسستين الإستهلاكيتين المدنية والعسكرية بإعادة ما يسمي بالإستثمار , عندما يسمح بعطاءات قانونية بدخول التجار مباشرة الى أسواق الإستهلاكيتين , ما يختصر حلقات كثيرة ويوفر عمولات تدفع هنا وهناك وتحمل كلفتها للمستهلك , إضافة الى مراجعة أسلوب عمل الشركة الوطنية للأمن الغذائي , التي يجب أن تستفيد من الإمكانات المتوفرة لها لمصلحة تخفيض الأسعار وليس لتخفيض الكلف على التاجر لفائدة زيادة أرباحه .
سياسة العصا والجزرة تنطبق في الاقتصاد كما في السياسة وربما تكون في الأخيرة أكثر نفعا عندما يتعلق الأمر بأمن المواطن الاقتصادي والاجتماعي , والعصا هنا هي القانون أما الجزرة فهي الدعوات والرجاء .
صحيح أن السوق الحر فيه آليات تمكنه من العودة إلى التوازن ومن ذلك العرض والطلب لكن من أدواته كذلك القوانين التي يجب أن تكون سيفا مسلطا يحمي المستهلك من التغول ومنها مثلا نذكر الفقرة « أ « المادة السابعة
من قانون الصناعة والتجارة ونصها .. « لمجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير أن يحدد أسعار أي من المواد الأساسية.» , هذه الفقرة تمنح الحكومة حق التدخل باعتبار أي سلعة تواجه نقصا أو احتكارا أو مغالاة سلعة استراتيجية تحتاج إلى تسعير وليس بالضرورة أن تسارع الحكومة إلى هذا الخيار لكن يكفي التلويح به وإبرازه كخيار متاح لضبط إيقاع السوق وتحجيم مبالغة بعض التجار في الأسعار وفي هوامش الربح , من دون الإخلال بمبادئ اقتصاد السوق ..
بقي أن العودة الى الدعم عبر بطاقات وغيرها توجه غير مرغوب به ليس لأنه يقوض الإصلاحات , إنما لكلفته الباهظة في ظل موازنة عاجزة , لأن الحكومة ستبيع سلعا مرتفعة الثمن بخسارة كي تستطيع ضبط الأسعار .
لعودة الحكومة الى السوق مستوردا أو مسعرا كلفة باهظة , لأن الاستيراد وتكاليفه عالية , فمثلا تغطية حاجة السوق من الأرز لسنة سيحتاج الى انفاق 100 مليون دولار , فهل الحكومة مستعدة لتخصيص مثل هذه الأموال , حتى لو استردتها من دون هامش ربح لارضاء دعاة العودة للتسعير !.
qadmaniisam@yahoo.com
الراي