لها: النساء من الزهرة .. والرجال من المريخ
معتز الهندي
18-07-2023 09:49 AM
أظنها واحدة من الجُمَل التي طرقت مسامعنا كثيراً وأصبحت كنظرية نرى من خلالها المرأة والرجل .. ونضع بها الف خطٍ على أوجه الاختلاف بيننا ..
العبارة صائبة.. ربما .. معبرة .. أكيد ..، لكنها أشبه بالحاجز الذي يمنعنا من العبور إلى الآخر احيانا باعتبارها مبرراً لعدم الاجتهاد في فَهم النظير ..!، او صنع أرضية للتفاهم والتعامل السلس بين الجنسين ..
ولو اتبعنى مجاز العبارة .. وسلَّمنا بانهن من الزهرة .. وأنَّا من المريخ .. أوليس من المفيد التقدم اكثر والتعامل مع حقيقة أننا التقينا الآن على كوكب الأرض ..
هذا الموضوع أشبه بمذكرة تفاهم بين الفضائِيَين اللّذين التقيا على الأرض، وللدقة هي أشبه بمذكرة تَفَهُّم للطرفين، هُدنة بسيطة في وسط الجدال المستمر، نحنُ أفضل .. أنتم مستفزون .. نحن اوضح .. أنتم مُعقدون وغيرها …
أقرُّ بدايةً بالاختلاف في النظرة إلى الأشياء، في تبني المعاني والقيم، وفي استقبال الأفعال والإجابة بردودها، ولكني اُقرُّ كذلك بالمزيج الجميل وإن شِئت فقل الحادق الذي له نُشكله معاً .. بالقُصور الذي نُكمِله في بعضنا، والاحتياج الذي نُلبيه بالتبادل، مُقِرٌ أنا بدور الليل المُعتَم الحالك، في لمعان النجوم وتألقها من الليل ومن النجوم !.. اتركها لذَوقِكم الذي لا أشك في رفعته .
في هذا الموضوع سأشارككم ما التَقَطُّه في الحياة .. سأعلق بمنظوري على آدم وما يختلف به عن حواء .. هذا الموضوع إهداء لصديقة عاشقة لهذا الجدال .. للطريفة المنتفعة ببراءة … بالمقولات والاستدلال … تلك التي تذكرني بآية القِوامة مرة … ومقولة السيدات أولاً في مرة أخرى … وفقا للمصلحة وما يقتضيه الحال …
إن اختِرنا البداية بالفروق، فالفرق الذي يلفت نظري باستمرار بيننا نحن معشر الرجال وبين النساء أنهن واضحات رغم المحاولات الكثيرة للتخفي والغموض، ونحن غامضون رُغم المحاولات الكثيرة لإثبات العكس، لذلك اتقَنَ النساء فَنَّ اللحظة والغوص فيها، ووقع الرجال في فخ الإدعاء …
لا تُخفي النساء لحظةَ .. خوفٍ .. أو قلق .. او فرح .. او تعاطف .. أو عجزٍ عن القيام بشيء، ولا يمنعهنَّ كِبرٌ عن السؤال عن كيفية فعل شيء لم يقدرن عليه، أما نحن الرجال ملوك الارتجال … تصعب علينا كلمة "لا نعلم" ونستحي من "لا استطيع"، لا نصفق بحماس وإن كان المعروض يستحق، ولا نخاف رُغم تَعرُّق الأيدي، ونُجافي رُغمَ هشاشة الفؤاد ..
النساء يُتقِنَّ الانهيار بالكامل والنهوض من جديد .. ونحن نُنكر الحاجة إلى السقوط فنسير مائلين مدى الحياة ..
باعتقادي.. أن آدم يُحب الفتاة التي تندهش … تُذهل.. تلك التي تتجمد او تصرخ تحت سطوة أحاديثه الصادق منها و المختلق، هي بذلك تتيح له أن يرى في اتساع عينيها نفسه التي لطالما حاول رسمها، ويجد في الضحكة الصادقة مكافأة على ورطاته المتوالية، وتُحقق ذاته بانفعالها، فيصدق ان جُراب حكاياه ثري بالتجارب والحِكَم ..
أما تلك الجامدة من ترى العادي في كل شيء، وتستخسر الإنصات على القصص والإندهاش على التحف وترد القصة بالقصة وتزاحم الراوي في مِقعده، فلا حاجة للرجل بإمراة تُريه حقيقة نفسه …
في النهاية.. يمكننا أيضا أن نقول على عكس السائد .. الرجال يحبون الثرثرة كثيرا جدا، الشرط الوحيد ألا تكون عن ضعفهم او عجزهم أو كل ما يَمُتُّ للإنسان الحقيقي بِصِلة .
المَوقِع الذي لا يرغب آدم أن يتواجد فيه هو المسرح ،تحت الأضواء وأمام الجمهور ، يحب بالتأكيد تلك اللحظات التي يحكي فيها عن إنجازاته وصولاته وجولاته وبطولاته .. الصادق منها والمُدّعى، لكنني أقصُد تلك اللحظات التي يستوجب فيها الأمر أن يبوح بما تَشَكَّل داخله من شعور او ما أُغلق عليه الباب من أسرار، أزمة تعبير مُستمرة تُعَقِّد الأمر على آدم نفسه قبل أن تُعَقِّدَه على حواء..
وتفضيل دائِم لِفكرة العيش كلُغز او لفظٍ مبهم يستعصي على الفهم والتأويل، لكن أقول داخل كل إنسان حاجة للصعود على المسرح ولو لمرة واحدة في حياته مع الاتفاق على اختلاف نوع المسرح داخل قاعة بها عشرات الآلاف أو أمام عنق الزجاجة في جلسة لعبة المصارحة .. أو مقابل مايكرفون جوالك بتسجيل مقطع يمنح محادثتكما الخاصة عُمقاً ابعد، كل إنسان بحاجة ليُخبرَ أحدهم عن الليلة التي مشى فيها تحت المطر وحيدا وعن الفكرة التي قفزت امامه عندما طالع نفسه في المرآة، عن الدافع الخفي خلف اكثر عاداته سوءا، وعن الأشياء التي أفنى عمراً في اخفائها ..
كلنا بحاجة الى مرَّة نكشف فيها عن كل نِقاب .. نواجه فيها العالم للمرة الأولى بكاملنا وكلنا .. بما دُفن وما أُجتُزِء … وما مر عليه الكلام مرور الكرام، خالدة هي اللحظات التي نُخلف فيها وعد أنفسنا ألّا نخبر أحداً عن شيء.. ثم أجمل الموت ..موت الاسرار..
فيما يتعلق بنظرة آدم لِحواء كشريكة حياته تُقاسمه الأيام أقول ليست الفكرة أن تملك حبيبة جميلة، الفكرة المدهشة أن تملُكَكَ حبيبة جميلة … ميثاق الحب الحقيقي .. يقوم على أن نَتَقبَّل غرابة فكرة ألّا نستقل، بل نتمادى في منح المزيد مِنا لان في الحقيقة أشيائك دوما اكثر منك .. أفكارك .. مخاوفك .. ماضيك .. وآتيك .. فحاجتك لِيُؤخَذ منك تفوق بمراحل فِطرة التملك لديك الحبيبة دوما ما تكون على هيئة "الخطة ب" التي حتما سنلجأ إليها بعد أن تفشل كل محاولاتنا لاحتواء الامر وحدنا، فلن تسمى حبيبة غير تلك التي أدركت بطريقة ما أنها ادرى بِك واحرص عليك أقرب إليك .. واولى منك ..
تبسمت قليلا عندما راودتني فكرة ان دورة الحياة ونظامها اقتضى أن يكون الرجل منا حبيس رعاية أمه ما بين المهد وإلى سن معين، وبرغم سرمدية رعاية الأم وحنانها إلا أن بعثرتك ستقفز خارج ثوبها بعد هذا السن بداعي فارق الأجيال، ربما لِتَتولى عنها حبيبة أمر احتوائك.. توبخ عند التقصير ،تعلمك المشي على الطرقات الجديدة وتنظر إليك بفخر حتى في أسوأ الحالات، فبداخل كل منا طفل رغم الشارب، ومن انقطع دورة حياته عند رعاية الأم أقول ومع الاسف "يتيم من الدرجة الثانية"..
جميع النساء اللاتي قابلتُهُنَّ في حياتي من جمعتني بهِنَّ صلاة القرابة أو مواثيق القدر كُلَّما حدثتهن عن شيء ألَمَّ بي أخبرنني عن شعورهِنَّ اتجاهي ودعمِهِنَّ لي وأسفَهِنَّ عن ما جرى إن كان بكاء اسكَتنَه.. وإن كان ضَحِكاً زادَنَّه …
وجميع الرجال الذين في حياتي … على اختلاف المواضع والأزمان كلما حدثتهم عن طارئٍ ألَمْ حدثوني عن الخلاص وخلقوا الحلول ورسَموا معي خارطة الهروب و أوجدوا لي سُبُلَ للنجاة، فأصبح الأمر واضحاً جلياً عندي وكأنني وضعت يدي على جوهر الاختلاف بيننا ….
النساء يفهمن الإنسان ، والرجال يعرفون الحياة …
اعلم … كثيرةً هي المسؤوليات ولا ينتهي الركض نحو خط نهاية نحاول بوصوله أن نواكب طموح من يراهنون علينا …
ادري … أننا نخاف من هاجس تَخيِب الآمال، أو نكون اقل من التوقعات، كل هذه المعارك تجعلنا أكثر صلابة وجفاف، ولكن أنا على يقين أن داخل هذه الجبال طفل لم يكمل لعبه بعد تغريه الحياة بشدة .. فيَزجُر نفسه بصوت الحكمة والعقل ..
مشكلة آدم الكُبرى واحدة من اثنين … إما أنه قال أعطى الأشياء اكثر مما تستحق فَتَيَبَّس، او منحها أقل مما تستحق فذاب.. وتهرَّب من دوره في الحياة .