أعتقد أن الكلام الذي يجري هذه الأيام بحق الأحزاب ونصحها وانتقادها... خاصة من الطبقة المسؤولة ِ. ليس في محله اطلاقا.. ويبتعد كثيرا عن منطق الحكمة... لعدة أمور مهمة ، منها على سبيل المثال :
أولا.. الأحزاب لم تخضع للتجربة.. ولم يتاح لها أن تطبق برنامجا أو رؤية أو فكرة من ناحية عملية إطلاقا .. حتى يتم تقويمها..
وإذا كان الكلام من ناحية نظرية فلا يتم التركيز على ما تطرحه الأحزاب من افكار وأقوال وتوصيات وطروحات وكتابات ...
ثانيا... الأشخاص الذين يقومون بتقويم الأحزاب أو انتقادها أو نصحها، ليس لهم أي تاريخ حزبي ... بل تاريخهم كله قائم على معاداة التحزب والفكرة الحزبية بشكل جذري شامل، وتشكلت حياتهم المهنية بعيدا عن فكرة التحزب.. بل إن بعضهم لم يحاور الأحزاب ولم يسبق له ان جلس مع رجال الأحزاب او استمع منهم ولو لمرة واحدة.. فكيف تطوع له نفسه الحديث عن هذا الموضوع ..؟!
ثالثا... الأمر الأكثر أهمية أن الذين يتولون الإشراف على مسار الأحزاب ومساعدتها وكيفية تشكلها ونموها من أجل المرحلة القادمة.. هم أنفسهم الذين تولوا في المرحلة السابقة عملية إفشال الأحزاب وتشويهها، وإفراغها من مضمونها ، ومسخ فكرتها في أذهان الشباب ، وتعطيل دورها السياسي بما أوتوا من قوة وخبرة ..!!!
رابعا... يتم تناول مسألة الشباب بطريقة تبعدهم عن الاحزاب ولا ترغبهم فيها.. وتخلق صراعا بين الأجيال بطريقة تخلو من الحكمة.. والمشكلة ان ان من كان سببا في إيجاد نصف مليون شاب عاطل عن العمل يحاول قذف مشكلة الشباب الملتهبة إلى حضن الأحزاب..
يتضح تماما أن هناك من يزين عملية الإنقلاب على الأحزاب، وعلى منظومة الاصلاح السياسي وعلى القليل مما أنجز نظريا في هذا المسار في العام المنصرم ... ويتم ذلك من
خلال التمهيد الإعلامي وتسخير بعض الأقلام المعروفة دائما بالتمهيد لأمر ما مقروء في هذا السياق ..
إن من يينبري للتقويم وإصدار الأحكام القاطعة والمتعجلة والغاضبة أحيانا بحق الأحزاب ليس مؤهلا لذلك، ولا يملك مقومات الإنصاف، ولا الخبرة العلمية ولا العملية .. وهي بالعربي الفصيح مشبوهة وليست محلا للثقة وليست مأمونة ...
يفترض بكل أصحاب الخبرة السياسية أن ينخرطوا في أحزاب سياسية، وأن يمارسوا آراءهم من خلال هذه الأطر فقط.. وأن يبتعدوا عن منطق الوصاية والتنظير الأجوف الاستعلائي.. وإصدار الأحكام والتفضل بازداء النصح بطريقة متعجرفة ...