امتازت حقبة رئاسة الدكتور الخصاونة بقلة الظهور على وسائل الاعلام وندرة الاشتباك مع القضايا الساخنة التي تشغل الشارع .
في المرات القليلة التي أجرى فيها مقابلات متلفزة او صرح فيها لوسائل الإعلام حرص على ان يقدم اجابات مباشرة تستند الى فكرة ان الحكومة لا تبحث عن الشعبويات ولا تؤجل معالجة المشكلات ولا تدعي او تبني اوهاما وهي قليلة الأخطاء وغالبا ما ختم اللقاء بالقول بأن الأيام الاجمل لم تأت بعد..
خلافا لهذا النهج الذي اتبعه رئيس الحكومة لأكثر من عامين لوحظ نشاط غير اعتيادي لدولته في التواصل والحوار خصوصا مع طلبة الجامعات.
وقد تطور هذا الحوار الذي قد يكون استجابة لواقع ضعف انضمام المواطنين للاحزاب باعتباره مؤشرا على كيفية التعاطي مع البرنامج الاصلاحي والنظر له كخطوة هامة على الطريق الطويل للإصلاح.. ويزيد من القلق تواضع نسبة التحاق الشباب في الاحزاب وما قد يؤدي له من تدني مشاركتهم في الانتخابات النيابية القادمة ..
فمعظم المؤشرات والتحليلات تقول بأن الانتخابات البرلمانية للمجلس النيابي العشرين ستجري في النصف الثاني من عام ٢٠٢٤.
ومع كل ما بذل من جهود لضخ دماء جديدة في جسد الحياة الحزبية وانتقاء شخوصها والقائمين عليها واشتقاق اسماءها ورؤاها، الا انها لا تزال تحبو وتبحث عن هويتها وذاتها ولم يتمكن الكثير منها من خلق تصور قابل للتسويق عن ماهيتها ولا عن الفكرة او الهدف الذي يجعلها مختلفة او متفردة عن غيرها.
من الناحية النظرية لا يوجد فرق كبير بين الاحزاب القديمة والجديدة او تلك التي اعيد بناء هياكلها وتسوية اوضاعها لتتماشى مع الانظمة والتعليمات الجديدة او تلك التي اجتازت اختبار الترخيص بهياكلها القديمة .
فالاحزاب القديمة والجديدة محافظة بالرغم من تنوع مسمياتها وهي متشابهة الاجندات والرؤى مما يجعل من الصعب ايجاد التباين بين ما يقوله ايا منها عن القضايا المطروحة .
فباستثناء بعض الاحزاب المؤدلجة تتشكل العديد من الاحزاب من جماعات غير متجانسة في الرؤى ولا التطلعات وكل ما يجمعها لا يتجاوز رغبة وطموح بعض اركانها وممولوها في المشاركة السياسية ودخول البرلمان ضمن اسماء وشعارات يمكن ان تندرج تحت واحد من أربع تيارات أحدها يساري بتفرعات والثاني إسلامي بشقيه الإخواني والوسطي والثالث قومي والرابع محلي جديد محافظ.
ضعف الاقبال على الاحزاب واحتمالية تفتت البنى الهشة وتشظي العديد منها عند اول منعطف يقلق الذين راهنوا على امكانية العبور نحو حياة برلمانية حزبية تشكل قاعدة للانطلاق نحو حكومات برلمانية بعد عشر سنوات او اكثر.
الأرقام المتواضعة لاعداد المنتسبين وتدني مستوى الحماس للمشاركة في الاحزاب واستمرار اعادة تدوير الاسماء والوجوه لتبقى في واجهة العمل العام عوامل اساسية في التفات الحكومة الى اهمية الحوار مع الشباب وتطمينهم بأن لا ملاحقة أمنية لمن يدخلوا الاحزاب ولا خطورة على مستقبلهم المهني وفرص التوظيف.
حتى اليوم أجرى دولة الرئيس لقائين مع شباب الجامعات خصص جل وقتهما للحديث عن الاحزاب والمشاركة والشباب دون معرفة او قياس أثر هذه اللقاءات على اتجاهات الشباب والمواطنين عامة نحو الاحزاب والانتخابات ..
في اللقاء الذي شهدته مدرجات مؤتة بين رئيس واعضاء الحكومة مع مجموعات من طلبة جامعات الجنوب تحدث طلبة جامعات مؤتة والطفيلة ومعان والعقبة ومن شارك من شابات وشباب محافظات الجنوب والاردن في قضايا وهموم الوطن بدرجة فيها من المكاشفة والصراحة ما يفوق الذي جرى على مدرجات الجامعة الاردنية قبل أيام .
في الجلسة الحوارية الثانية قدم رئيس الوزراء عرضا تفصيليا مكثفا لما يريد أن يقوله .فقد عرض لمفهوم الاصلاح الذي تتبناه الدولة وبين مساراته وحدد الخطوات اللازمة لترجمة الخطط والرؤى التي عملت اللجان المكلفة على صياغتها، واشاد خلاله بدعم الملك وولي العهد للبرامج التنفيذية واكد على التزام دوائر صناعة القرار بالسير قدما لاحداث التغيير المنشود في المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية ..
بدون توقف سرد الرئيس لجمهور الطلبة الذي توسطه الوزراء وبعض الصحفيين ممن حضروا الى الكرك للمشاركة في اللقاء، فبين ان الحكومة حافظت على الامن وادامت الاستقرار وحالت دون انهيار البلاد، واشاد بالخدمات التي تقدمها الدولة وتماسكها بالرغم من الأحداث الاقليمية وتغير البيئة وما نجم عن ذلك من ضغوط وآثار على التجارة والتبادل والنقل وغيرها من القطاعات..
تركيز الرئيس على دعوة الشباب للانخراط في العمل الحزبي كان الهدف الأهم للحوارات التي جرت وقد تستمر مع الشباب الذين لا يزالوا ينظرون بريبة وحيرة للكثير مما يجري على ساحة العمل الحزبي وما يصاحبه من محاولات لاستقطاب الشباب ودعوتهم للانضمام.
على الصعيد الميداني وبعيدا عن ما تخطط له مؤسسات صناعة القرار ومحركات هندسة التغيير لا يرى الكثير من الشباب جدية في الدعوات التي يقوم بها الرعاة والممولون للاحزاب لاشراك الشباب في الترشح او الدفع بهم للمشاركة الفعلية في العملية السياسية فغالبية الهياكل للاحزاب الجديدة التي صوبت اوضاعها تشتمل على اسماء لأشخاص لا يؤمنون في العمل الحزبي وقد دفعهم الحرص على الابقاء على مقاعدهم او العودة الى الصفوف التي كانوا ضمنها للسير في تشكيل احزاب بلا خطاب مقنع او هوية واضحة تميزها عن غيرها من الاحزاب الاخرى .
في لقاء السبت تفتحت شهية شباب وشابات الكرك والاغوار والطفيلة والرمثا والعقبة ومعان لطرح كل ما يعتمل في صدورهم دون مسايرة او وجل، فتحدثت المحامية الشمايلة عن الفرص المتكافئة واحلام ابناء القرى والارياف، وتحدث المجالي عن نظرة المؤسسات المتباينة للاحزاب، وتحدثت الطالبة الربابعة عن غياب مسار التحديث الثقافي، وكرر عدد من المتفاعلين الاسئلة حول جدية الدولة في دعوتهم للانضمام للاحزاب خصوصا وانهم يعون مواقف الاجهزة الامنية من الاحزاب والتحزب واجراءات التضييق على بعض الاحزاب في الوقت الذي يجري تيسير الإجراءات والنشاطات والخطوات لأخرى.
في اجابات الرئيس الذي بدى اكثر ارتياحا هذه المرة الكثير من التفهم لما يقوله الشباب خصوصا ما يتعلق بهيمنة الكبار والمتقاعدين من الدولة واصحاب المال على كوادر وهياكل الاحزاب، فدعى الطلبة الى ان يؤسسوا هياكل تمثلهم قبل ان يدعوهم الى الالتفاف او الاستقطاب لبعض رجال الأعمال لتمويل مساعيهم.
مهما كانت الخطابات ومهما زينت المواعظ فإن الحقائق تقول بأن هناك ما قد يصل الى ٢٧ حزبا تمكنت من تسوية وتكييف أوضاعها، والاختلاف بين الكثير منها محدود او معدوم .
ومع كل الدفع والترويج والترغيب الذي يجري لدفع الشيب والشباب للالتحاق في الاحزاب فلم تتمكن جميع الاحزاب المسجلة استقطاب اكثر من ثلاثين ألف عضو الأمر الذي استدعى القيام بحملات دعائية وجهود حوارية وتصريحات تطمينية تستجيب الى المخاوف الازلية لدى الشباب من عواقب الالتحاق بالاحزاب.
في جولة الرئيس اتضح ان البطالة وتردي مستوى تكافؤ الفرص وضعف الثقة بالحكومات ومسألة سيادة القانون وضرورة النهوض بنوعية الخدمات التعليمية والصحية وإصلاح التعليم وحرية الحصول على المعلومات تحتل اهمية أوسع من الاحزاب والمشاركة السياسية، خصوصا وهم يعلمون ان الكثير من الاحزاب متشابهة في طرحها وقياداتها وتوجهاتها ولا يرون انها تحمل افكار ولا برامج جاذبة تبعث على الامل.